أعاد اعتقال 12 متطرفاً تتراوح أعمارهم ما بين 18 و40 عاماً الأربعاء الـ19 من فبراير (شباط) الجاري، بتهمة مبايعة تنظيم “داعش” وإعداد مخطط إرهابي خطر كان يستهدف المغرب، إلى واجهة النقاش، مدى إسهام المناطق والأحياء الهامشية في خلق فكر التطرف والتشدد.
وتتكون الخلية المتطرفة الجديدة التي فُكك أعضاؤها من 12 شخصاً ينحدرون من مناطق مهمشة مثل أزمور وجرسيف وأولاد تايمة، أو من أحياء فقيرة في أطراف مدن مثل الدار البيضاء وطنجة والرباط.
ويرى مراقبون أن وضعية الهشاشة في الأحياء الفقيرة والمدن المهمشة تنموياً تفضي إلى وقوع الشباب في براثن التطرف والإرهاب، لكن من جهة أخرى يوجد عدد من الشباب ذهبوا ضحية التطرف على رغم أنهم نشأوا في بيئة ميسورة وعاشوا في أحياء راقية لمدن كبرى.
أحزمة الفقر والتطرف
وتنتمي مدن صغيرة مثل أزمور وجرسيف وأولاد تايمة، التي ينحدر منها المتطرفون الذين اعتقلهم الأمن المغربي أخيراً، إلى ما يسمى “المغرب العميق” الذي يعاني الهشاشة التنموية، مقارنة مع المدن الكبرى للمملكة من قبيل الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أيضاً أعلنت السلطات الأمنية المغربية توقيف ثلاثة أشقاء ينحدرون من الأحياء الفقيرة لقرية حد السوالم، ارتموا في أحضان الفكر المتطرف بعدما انجذبوا إلى خطاب “داعش”، إذ وجدوا فيه التفلت من فخاخ الفقر والحرمان.
وقبل أشهر أيضاً، ضبطت السلطات الأمنية خلية مكونة من أربعة أفراد، توبعوا بتهم متعلقة بالإرهاب والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وينحدرون من أحياء فقيرة بمدن تعيش على هامش التنمية، مثل سيدي سليمان وتزنيت.
وفي كثير من حالات تفكيك الخلايا المتشددة في المغرب كان الشباب المتورطون ينحدرون في الغالب من مناطق مهمشة وأحياء فقيرة، من دون أن يمنع ذلك وجود بعض الحالات لشبان متعلمين (مهندسون مثلاً) وينحدرون من أحياء راقية ومدن كبرى.
ويرى مراقبون أن استقطاب المنظمات المتطرفة والإرهابية شاباً فقيراً، من خلال إغراءات بمكاسب مالية أو دينية، هو طريق أسهل من استقطاب شاب متعلم وميسور الحال.
وبسبب تأثير عاملي الفقر والجهل أيضاً في ميول الشاب إلى معانقة الخطاب والسلوك المتطرف، فإن المتخصصين بالمغرب يشددون على أن “السبيل الأمثل لمناهضة الإرهاب والتطرف يقتضي بالضرورة تضافر الجهود من أجل تحسين جودة التعليم، والقضاء على مظاهر الجهل والفقر والتهميش”.
بين الاندماج والإقصاء
وانطلاقاً من بحثين ميدانيين سوسيولوجيين في مدينتي المضيق وسلا القديمة، استنتج فوزي بوخريص، أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في جامعة القنيطرة، أنه يمكن اعتبار وضعية الهشاشة التي يعانيها الشباب والشابات المستهدفون، تتفاقم بفعل ضعف الرابط الاجتماعي وتزايد عزلة الفرد وضعف القدرات والمهارات الحياتية.
ويشرح بوخريص “إذا وجد الشاب نفسه في خضم الفقر والروابط الاجتماعية الضعيفة وفي مواجهة ضيق الأفق، وغموض المستقبل، وعدم القدرة على تجاوز هذه الضغوط، فهو في وضعية هشاشة، مما يسهل استهدافه بالنظر إلى أنه في وضعية ضعف نسبي تجعله عرضة للتأثر السلبي بأية خطابات ومن ثم يكون سهل الاستقطاب لأية تنظيمات أو أنشطة، بما في ذلك تلك المتطرفة والعنيفة”.
ومضى الباحث قائلاً إنه “سواء كان هناك تنسيق بين شبكة الإرهاب الدولي والتنظيمات المتطرفة المحلية في ما يتعلق باستقطاب الشباب للقيام بأعمال إرهابية أو لم يكن، فالمؤكد أنه يسهل جداً استمالة شباب يتميز بقابلية للاستقطاب، بفعل هشاشة وضعه وخلل اندماجه في المجتمع المحلي”، مورداً أن “شباباً لا ينتظر أي شيء من مدينته ومن بلاده، يسهل جداً توظيفه في أعمال عنف إرهابية ضد مجتمعه أو أي مجتمع آخر”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذهب بوخريص إلى أن التطرف لدى الشباب ليس دائماً تطرفاً دينياً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل قد يكون في كثير من الأحيان تطرفاً مجتمعياً بقناع آخر، يلبس القيم المحافظة لكن بوجه حديث، ويمارسه أشخاص ليسوا بالضرورة متدينين، وهو ما يمكن اعتباره “تطرفاً شائعاً ومألوفاً”.
وأكمل الباحث بأنه “لا ينبغي الاستهانة بنسبة هؤلاء الشباب، الذين يحملون مثل هذه القناعات الدينية المحافظة، إن لم نقل متطرفة، ويعلنون مساندتهم خطاباً قريباً من أو يتقاطع مع خطاب التنظيمات الدينية المتطرفة، خصوصاً في ظل سياق اجتماعي تطبعه الهشاشة، لأن ذلك يمكن أن يدفع مثل هذه الفئة الشبابية إلى تبني رؤية أكثر تطرفاً للدين والسياسة، ومن ثم الوقوع في براثن الإرهاب”.
الفقر لا يرتبط بالضرورة بالتطرف
من جانبه، قال محمد عبدالوهاب رفيقي، باحث في الشأن الديني والاجتماعي، إنه من الطبيعي أن تنتج المناطق الهامشية والشعبية الفقيرة التطرف والإرهاب، لكنها ليست سبباً رئيساً بل عاملاً مساعداً في ظهور التطرف بين الشباب.
ويشرح رفيقي، وهو معتقل سابق على ذمة قضايا التطرف والإرهاب، بأن الطبقات الفقيرة التي تعيش في هذه المناطق تطوقها أحلام مجهضة، وتشعر بالإقصاء والحرمان والاحتقار، وعدم الاعتبار.
وتابع المتحدث ذاته “بسبب هذه المشاعر النفسية والوضعية الاجتماعية، تتأسس نفسيات هشة قابلة للاستقطاب في أية لحظة من طرف التنظيمات المتطرفة خصوصاً مع استعمال الوازع الديني والعاطفة الدينية التي تفتح لهذه الفئات آمالاً في التغلب على ذلك الواقع المرير الذي يعيشونه”.
وشدد رفيقي على أنه لا يتفق كلياً مع نظرية إنتاج الفقر والتهميش التطرف والإرهاب بصورة مباشرة، لأننا رأينا عدداً من المتطرفين والإرهابيين المشهورين على الصعيد الدولي نشأوا في بيئات ميسورة وعائلات غنية، ولم يمنع ذلك اعتناقهم الفكر المتطرف.
واستدرك الباحث عينه بأن “الفقر والتهميش التنموي والاجتماعي يساهمان بلا شك في إنتاج آفة التطرف، بخاصة أن هذه الفئات الاجتماعية تعاني تعليماً غير جيد، وتقدم لها التنظيمات المتطرفة مقولات وشعارات جاهزة تغويها بها”.
واسترسل “في بعض الحالات يكون الإغراء المادي سبباً جوهرياً من بين الأسباب المفضية إلى اعتناق الفكر المتطرف، الذي يعد المنتمين إليه بالأموال وتحسين واقعهم الاجتماعي، وفي حال عدم تغير هذا الوضع الاجتماعي يغويهم بأنهم سيحصلون على حياة أفضل بعد الموت”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية