يقبع ليروي دوغلاس، الذي سرق هاتفاً محمولاً في وقت كان يعاني فيه إدمان المخدرات، في السجن لما يقارب 20 عاماً، بموجب حكم “غير إنساني” بالسجن إلى أجل غير مسمى.
صدر الحكم على دوغلاس، البالغ من العمر الآن 43 سنة، بالسجن لمدة لا تقل عن عامين ونصف عام في 2005، بعدما سرق هاتف رجل بهدف تمويل إدمانه.
وعلى رغم أنه أقلع عن المخدرات داخل السجن وأكمل 36 برنامجاً تأهيلياً، فقد قضى مدة تفوق حكمه الأصلي بثماني مرات، ولا يزال محتجزاً من دون تحديد موعد لإطلاق سراحه، إذ وقع ضحية لعقوبة “السجن من أجل المصلحة العامة”، التي ألغيت لاحقاً، لكنه لا يزال عالقاً بسببها.
وفي مناشدة من داخل السجن، قال متوسلاً: “هذا الحكم قاس بصورة مدمرة. احتجازي أصبح غير إنساني ومهين، وعلى أحد التدخل فوراً”.
تأتي هذه المناشدة بعد تحذيرات من الدكتورة أليس إدواردز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتعذيب، التي قالت إن الحكومة البريطانية “على الأرجح “تنتهك حقوق بعض سجناء أحكام المصلحة العامة، ودعت إلى إعادة النظر في الأحكام الصادرة ضدهم.
وفي حديثها لـ”اندبندنت” ذكرت أن “احتجازهم إلى أجل غير مسمى، من دون مسار واضح للإفراج عنهم، هو ببساطة أمر غير إنساني”.
وأضافت: “وفقاً للمعايير الدولية، يرجح أن بعض المساجين المحكومين في إطار السجن من أجل المصلحة العامة محتجزون بصورة تعسفية بحسب المقاييس الدولية، خصوصاً أولئك الذين قضوا فترة أطول مما كانوا سيقضونه في ظل الأحكام العادية”.
وكانت هذه العقوبة المفتوحة ألغيت عام 2012 بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، ولكن ذلك لم يطبق بأثر رجعي، مما ترك آلافاً محتجزين حتى يقرر مجلس الإفراج المشروط أنهم باتوا “آمنين” للإفراج.
من بين 2614 شخصاً لا يزالون محتجزين بموجب هذ ا النوع من العقوبات، قضى 127 سجيناً، من بينهم دوغلاس، عقوبة أطول بـ15 عاماً في الأقل من مدة الحكم الصادر في حقهم في البداية. ويعتقد أنه واحد من بين 186 شخصاً ممن قضوا خمسة أضعاف مدة عقوبتهم الأصلية.
وتشمل قائمة المساجين الآخرين المحكومين بسبب جرائم بسيطة:
توماس وايت (42 سنة)، الذي أضرم النار في نفسه داخل زنزانته بعد أن قضى 13 سنة في السجن بتهمة سرقة هاتف.
جيمس لورنس (38 سنة)، الذي لا يزال في السجن بعد 18 سنة من الحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر فقط.
عبدالله سليمان (41 سنة)، الذي لا يزال محتجزاً بعد 19 سنة من إدانته بسرقة جهاز حاسوب.
كما تحول سجين آخر محكوم بعقوبة من أجل الحماية العامة، هو الخمسيني يوسف علي، إلى هيكل عظمي يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة بعد إضرابه عن الطعام لمدة 61 يوماً احتجاجاً على سجنه.
وعلى رغم وقوع أكثر من 90 حالة انتحار داخل السجون، والدعوات المتكررة من لجنة العدل، والأمم المتحدة، وحتى واضع نظام هذه العقوبة نفسه، اللورد ديفيد بلانكيت، إلا أن الحكومات المتعاقبة رفضت إعادة النظر في هذه الأحكام.
يقول دوغلاس، الذي ينحدر من كارديف، إن احتجازه أصبح تعسفياً، خصوصاً بعد أن رفض إطلاق سراحه في جلسة الإفراج المشروط لعام 2023، على رغم أن طبيباً نفسياً أوصى بالإفراج عنه. والصادم أن مجلس الإفراج المشروط أخطأ حتى في كتابة اسمه في وثائق الرفض.
يقول دوغلاس من داخل سجن ستوكن في روتلاند لـ “اندبندنت”: “قضيت 20 عاماً في السجن لسرقة هاتف جوال، لقد سرقوا نصف عمري”.
وأضاف: “أنا نادم جداً وأتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالي السابقة، أعرف معنى أن يكون المرء ضحية، فقد تعرضت لهجوم عنصري داخل السجن، وأصبت بجرح في وجهي، لكن احتجازي هنا أصبح تعسفياً بصورة واضحة، ولم يعد ضرورياً. لقد أكملت 36 دورة تأهيلية لمساعدتي في الحصول على الإفراج المشروط”.
في السنوات الأولى من سجنه، ربح دوغلاس دعوى قضائية ضد وزارة العدل، إذ حصل على تعويض بآلاف الجنيهات بعد أن أثبتت المحكمة أنه منع من الوصول إلى البرامج التأهيلية اللازمة لإطلاق سراحه، لكن الحكومة زعمت لاحقاً أنها لم تعد تحتفظ بسجلات هذه القضية بسبب قدمها.
حكم على دوغلاس للمرة الأولى عندما كان في سن الـ15 بعد أن بدأ في تدخين القنب، الذي تطور بسرعة إلى المخدرات الأشد قوة، بما في ذلك الهيروين، وتراكمت عليه إدانات عدة بعد سرقته لتمويل إدمانه.
وفي النهاية، حكم عليه بموجب عقوبات “السجن من أجل المصلحة العامة” عندما سرق هاتف صديقه خلف محطة قطارات كارديف. لم يصب أحد بأذى جسدي خلال السرقة التي يزعم أنه ارتكبها أثناء إطلاق سراحه الموقت، لأن هدفه كان أن يعتقل كي يحصل على حكم مجتمعي بالعلاج من الإدمان.
على رغم أنه حافظ على نظافة سجله لسنوات في السجن ولم يدن بأية جرائم عنف، وعلى رغم أنه قضى خمسة أسابيع في السجن بتهمة غسل الأموال في عام 2020، رفض منحه الإفراج المشروط بسبب سلوكه، وبالتالي فقدانه الأمل في إمكان إطلاق سراحه في المستقبل.
كتب طبيب نفسي في تقرير اطلعت عليه “اندبندنت” أنه “أصبح متلبد المشاعر ويشعر بالظلم من استمرار اعتقاله، وقد فقد الأمل بأن يتطور” وهو يقدم على “تصرفات تشير إلى سوء التكيف”، في محاولة للحفاظ على بعض السيطرة على وضعه.
وفي ختام تقريره، أضاف الخبير أن “إبقاءه في السجن سيزيد فقط من شعوره باليأس ويستمر في تقويض استقراره”، مؤكداً أنه يمكن إدارة حالته بأمان في المجتمع.
خلال المدة التي قضاها وراء القضبان، فقد دوغلاس بعض أفراد أسرته ومن بينهم إحدى ابنتيه التي توفيت في عام 2021 عن عمر 19 سنة.
ويقول الوالد الذي يحلم بإطلاق عمله الخاص خارج أسوار السجن إنه نال “أكثر من جزاءه المستحق” لقاء الجرائم التي ارتكبها، وناشد وزيرة العدل شابانا محمود باستخدام صلاحياتها لإصدار أمر بالإفراج عنه.
وقال “أقدر إطلاق سراحي من السجن أكثر من كل شيء، سيسمح لي ذلك بأن أستأنف حياتي وأبدأ الفصل الثاني منها. أن ألتقي بسيدة لطيفة، وربما أتزوج وأعيش حياة خالية من الجرائم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف: “سرقت هاتفاً جوالاً من دون ارتكاب أي عنف جسدي في عام 2005، ودفعت أكثر من الثمن العادل بعد 19 عاماً في السجن. أصبح اعتقالي غير قانوني، ولم يعد ضرورياً لحماية الجمهور”.
هذا وتعمل الناشطة شيرلي ديبونو التي شاركت في تأسيس مجلس العمل حول أحكام السجن، من أجل المصلحة العامة على دعم دوغلاس في سجنه.
وقالت: “لقد خذله نظام السجن بأسره، أشعر بالأسى تجاهه، فهو أحد الأشخاص الذين لم يرتكبوا أي عنف داخل السجن وحاولوا الحفاظ على أنفسهم. لم يكن ينبغي احتجازه كل هذه السنوات داخل السجن، لقد خذله نظام السجون بصورة هائلة”.
أجريت تغييرات قبل الانتخابات العامة، قلصت بموجبها شروط الإفراج الموقت عن سجناء أحكام السجن من أجل المصلحة العامة من 10 إلى ثلاث سنوات. لكن حكومات المحافظين والعمال رفضت دعوات إعادة النظر في أحكام المساجين المحتجزين بموجب هذه العقوبة من أجل تحديد فترات حكمهم، فيما أصر وزير السجون اللودر تيمسون أنه لن يتجاوز أحكام مجلس الإفراج المشروط.
وقال متحدث باسم وزارة العدل: “صحيح أن أحكام السجن من أجل المصلحة العامة ألغيتK ومع حماية الجمهور كأولوية قصوى، يعمل وزير العدل مع المنظمات ومجموعات الحملات لضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة لدعم أولئك الذين ما زالوا يقضون هذه العقوبات، مثل تحسين الوصول إلى دعم الصحة النفسية وبرامج التأهيل “.
نقلاً عن : اندبندنت عربية