نزل خبر قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس “إلغاء” ذبح الأضاحي لهذا العام في المملكة، كقطعة ثلج باردة على صدر الفقراء وذوي الدخل المحدود بالبلاد، واعتبروا ذلك “رفعاً للحرج” عن الطبقة الضعيفة في المجتمع.

وفي الوقت الذي انبرت فيه الحكومة المغربية ومعها الأحزاب السياسية بمختلف ألوانها وخلفياتها تثمن قرار إلغاء “شعيرة عيد الأضحى” بالنظر إلى تخفيفه العبء عن الأسر، عزا الملك محمد السادس قراره إلى مواسم الجفاف المتتالية التي أثرت بشكل سلبي في القطيع الوطني من الأغنام.

ويعتبر عيد الأضحى المقبل “من دون أضاحي” الرابع من نوعه في تاريخ المغرب المستقل بعد عام 1963 بسبب تداعيات “حرب الرمال”، وعام 1981 جراء جفاف حاد ضرب البلاد، ثم عام 1996 بسبب الجفاف أيضاً.

الجفاف أس البلاء

حملت رسالة الملك محمد السادس التي وجهها إلى المغاربة، وتلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق مساء الأربعاء الماضي، السبب الرئيس في اتخاذ هذا القرار، متمثلاً في وجود تحديات وإكراهات مناخية واقتصادية.

هذه التحديات أفضت، وفق مبررات القرار الملكي، إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية، الشيء الذي يجعل من نحر الأضاحي هذا العام في هذه الظروف الصعبة عملية تلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من المغاربة لا سيما ذوي الدخل المحدود.

ووفق المصدر ذاته، فإن قرار عدم قيام الشعب بنحر الأضاحي في “العيد الكبير” كما يسميه المغاربة، يأتي وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه الواجب في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير.

في هذا الصدد يقول الباحث في الاقتصاد الاجتماعي محمد مجدولين، إن رسالة الملك التي ورد فيها لفظ “يُهيب” بالشعب المغربي عوض “يأمر” أو “يلغي”، أجملت أسباب وراء هذا القرار الذي يمكن وصفه بالواقعي والجريء في الوقت نفسه.

 

 

ووفق الباحث ذاته، فإن قرار عدم القيام بشعيرة ذبح الأضاحي يعتبر واقعياً بالدرجة الأولى، لأنه يستحضر الظرفية التي تمر منها البلاد، لا سيما خلال هذه السنة التي تشهد جفافاً للعام السابع على التوالي، الشيء الذي أضر بشكل كبير بالمقدرات الوطنية لقطعان الماشية والأنعام.

وأوضح مجدولين أن “هذه الأسباب التي تقف وراء قرار أعلى سلطة بالبلاد مترابطة في ما بينها، لكنها تعود في الأصل إلى الجفاف، الذي سبق للمغرب أن مر منه في سنوات الثمانينيات بالخصوص، وأثر سلباً في النمو الاقتصادي للمملكة”.

وأكمل أن “الجفاف لهذا العام السابع على التوالي تسبب باعتراف حكومي، وقبله بإقرار من الملك نفسه، في وجود أزمة ماء في البلاد، وصفتها الحكومة بكونها خانقة وغير مسبوقة”، مورداً أن هذا الجفاف أفرغ السدود التي تضاءلت حصتها بأكثر من 27 في المئة، كما تسبب في ندرة الكلأ والأعلاف التي تقتات منها الماشية، وارتفعت أسعارها بشكل لافت”.

واستطرد الباحث عينه بأن هذا الوضع السيئ أدى إلى تراجع عدد الماشية في البلاد بنسبة غير مسبوقة، دقت بشأنها الحكومة ناقوس الخطر قبل أسابيع قليلة، حيث بلغ التراجع 38 في المئة في عام 2024 مقارنة مع عام 2016.

لكل هذه الأسباب التي ترتبط بوضعية الجفاف وشح الأمطار، وأزمة الماء، جاء قرار الملك بتوجيه المغاربة إلى عدم النحر في عيد الأضحى المقبل، مبرزاً أنه في حالة الاستجابة الواسعة لهذا القرار سيتيح راحة بيولوجية للقطيع المغربي من الماشية، خصوصاً الإناث الولود، وبالتالي سيسهم إيجاباً في وفرة الأغنام خلال عيد الأضحى لعام 2026.

الفقراء يتنفسون الصعداء

استقبل العديد من المغاربة قرار “إلغاء عيد الأضحى” هذا العام بكثير من الحبور والارتياح، خصوصاً المنحدرين من طبقات اجتماعية فقيرة أو من أصحاب الدخل المحدود، بالنظر إلى التكلفة المادية العالية للأكباش خلال العام الماضي.

يقول في السياق أحمد هضوري، الذي يعمل إسكافياً ورب أسرة من خمسة أبناء، إنه فرح كثيراً بهذا القرار، لأنه يزيل عبئاً ثقيلاً جثم على صدره منذ عيد الأضحى الفائت، مضيفاً “عندنا اضطر إلى الاستدانة من أجل إقناء كبش متوسط الحجم بلغ ثمنه 6000 درهم (600 دولار)”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح أنه عانى كثيراً خلال “العيد الكبير” الماضي باضطراره إلى الاقتراض لتوفير كبش لأبنائه، حتى أنه لا يزال يسدد أقساط قرض الكبش إلى هذا اليوم، مردفاً أنه “بهذا القرار سيكون بإمكانه إكمال سداد السلف وعدم الوقوع في براثين قرض جديد وعدم الخروج من هذه الدوامة المالية الخانقة”.

ويلتقط خيط الحديث أحد مربي الماشية، ويسمى في المغرب “كساباً” من سابقه ليؤكد صعوبة الوضع حتى في العام الماضي، وبالأحرى العام الحالي الذي تفاقمت فيه أزمة الماشية وغلاء اللحوم، بسبب وضعية الجفاف أساساً.

ويكمل المتحدث ذاته بأنه “في عيد الأضحى الفائت ظهرت ملامح هذه الأزمة، حين تم بيع كبش صغير الحجم بمبالغ مالية غير مسبوقة، حتى أن هناك أكباشاً تم بيعها بألف دولار للرأس الواحد، وهي لا تستحق حتى نصف ثمنه”.

واسترسل المصدر ذاته بأنه خلال عيد الأضحى للسنة المنصرمة كان هناك شعور قوي لدى المهنيين بأن قطيع الماشية بالمغرب تم استنزافه بشكل رهيب، خصوصاً نحر الإناث من الأغنام، ما يعني ندرة الولادة وتوفير قطيع جديد، ما أدى إلى تراجع عدد القطيع الوطني للدرجة التي أعلن فيها الملك نفسه بقرار عدم نحر الأضاحي هذه السنة.

سوابق تاريخية

لا يعتبر قرار العاهل المغربي الذي أهاب فيه بالشعب بعدم القيام بشعيرة نحر الأضاحي خلال هذا العام مع الحفاظ على طقوس العيد من أداء لصلاة العيد وزيارات صلة الرحم وغير ذلك من طقوس الفرح بالعيد، هو الأول في تاريخ المغرب المستقل بل هو الرابع من نوعه في هذا السياق.

كانت أول مرة عندما أعلن الملك الراحل الحسن الثاني عام 1963، وقد وصل إلى سدة الحكم بعد سنتين فقط من وفاة والده السلطان محمد الخامس عام 1961، عن “إلغاء النحر يوم عيد الأضحى”، بسبب تداعيات “حرب الرمال” التي جرت بين المغرب والجزائر في أكتوبر (تشرين الأول) 1963، بسبب مناوشات ومشكلات حول الحدود البرية بين البلدين الجارين.

 

 

وتسببت “حرب الرمال” حينها في استنزاف الاقتصاد المغربي الذي كان في طور المخاض والولادة، خصوصاً أن المغرب كان قد خرج لتوه من تجربة الاستعمار الفرنسي، وهو ما دفع الملك الراحل إلى توجيه خطاب إلى الشعب أمر فيه بإلغاء عيد الأضحى.

وفي المرة الثانية شهد عام 1981 جفافاً حاداً في المغرب، جعل العديد من المختصين يصفونه بعام الكارثة، خصوصاً أنها عرفت نفوق آلاف رؤوس الماشية، الشيء الذي دفع الملك الراحل إلى إعلان “عيد بلا نحر”، تفادياً للمزيد من الخسائر الاقتصادية.

وجاء عام 1996 الذي لم يختلف كثيراً عن عام 1981، إذ شهد ذلك العام جفافاً حاداً أيضاً تسبب في تراجع كبير في رؤوس الغنم، بلغ حينها مليوناً و700 ألف رأس، ليكون على المغرب وقتها استيراده بالعملة الصعبة.

وخاطب الملك الراحل المغاربة عبر رسالة أيضاً تلاها وزير الأوقاف آنذاك، قال فيها “معلوم أن ذبح الأضحية، إذا كان سنة مؤكدة، فإن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال الماشية من إتلاف، وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود منهم”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية