يستهل رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون الإثنين الثالث من مارس (آذار) المقبل جولاته الخارجية من السعودية، وهو أراد أن تكون الرياض محطته الخارجية الأولى انطلاقاً من تصميمه على إعادة لبنان إلى عمقه العربي، ومن بوابة السعودية، كما أعلن في خطاب القسم بعد انتخابه. ويلبي رئيس الجمهورية دعوة شخصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعدما كان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان حضر مهنئاً بانتخاب رئيس الجمهورية، بعد 15 عاماً على آخر زيارة سعودية من نوعها إلى لبنان.

وأكدت مصادر في القصر الجمهوري لـ”اندبندنت عربية” أن تزامن الزيارة مع حلول شهر رمضان المبارك فرض ترتيبات محددة على أن تكون سريعة، ولكن تمهيدية لزيارة أخرى موسعة بمشاركة رئيس الحكومة نواف سلام وعدد من الوزراء، لتوقيع الاتفاقات الـ22 المعدة منذ عام 2017 في مجالات التربية والتجارة والصحة والإسكان وغيرها من الملفات الاقتصادية والتجارية. وفي وقت علم أن الوفد المرافق للرئيس عون سيقتصر على وزير الخارجية يوسف رجي، فإن الأنظار ستتجه إلى اللقاء الذي سيعقده الرئيس عون مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، والذي سيشكل بداية لفتح صفحة جديدة بين لبنان والسعودية بعد الملابسات التي اعترت العلاقة بين البلدين في عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، والتسليم بسيادة لبنان وانتظامه أكثر في المحور الإيراني، والفتور والتوتر اللذين ساداها منذ 2021 إثر تأييد وزير الخارجية السابق جورج قرداحي ما وصفه بـ”دفاع الحوثيين عن نفسهم في وجه اعتداءات السعودية والإمارات”، إضافة إلى مشكلة تهريب المخدرات إلى السعودية عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

 

هل تؤسس الزيارة لعودة الرياض إلى لبنان؟

منذ عام 2017 لم تتعاون السعودية مع أي حكومة لبنانية، ولم ينجح الرئيس السابق ميشال عون في تمتين العلاقة وإنقاذها على رغم أن زيارته الخارجية الأولى كانت إلى السعودية، وذلك بسبب ترسخ الدور الإيراني أكثر فأكثر في لبنان وممارسات “حزب الله” الداخلية على قاعدة “الأمر لي”. وكما السلف كذلك الخلف ستكون المملكة محطة الرئيس جوزاف عون الأولى، فهل من اختلاف بين الزيارتين؟

الوضع الداخلي مختلف والظروف الإقليمية وفي المنطقة تبدلت. يقول مصدر عربي لـ”اندبندنت عربية”، فالرئيس جوزاف عون يذهب إلى الرياض بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، والالتزام بتطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته، وتراجع دور “حزب الله” وتسليمه بالجهود الدبلوماسية لتحرير النقاط المحتلة، وبعد إشارات عدة أطلقها العهد الجديد للحد من التدخل الإيراني، وبعد البيان الوزاري وتأكيد بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، وتصميم رئيس الجمهورية والحكومة على احتكار الدولة وحدها السلاح، والتمسك بالحياد، وإجراء الإصلاحات. وفي حين تشدد مصادر القصر الجمهوري على عدم استباق نتائج الزيارة وتترك للمسؤولين في السعودية الإعلان عن القرارات التي يمكن أن تتخذها إثر الزيارة أو خلالها، تعترف في المقابل بوجود شروط كانت حددتها السعودية كممر إلزامي لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل الفتور الذي سادها، وتبدأ بالإصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد والسيادة وحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية والتزام لبنان بالقرارات الدولية واتفاق الطائف.

 

التوقعات كثيرة

يتوقع كثر أن تحمل زيارة رئيس الجمهورية إلى الرياض في مضمونها إشارات إيجابية وداعمة للبنان ولانطلاقة العهد الجديد، عبر دعم الرياض لمؤسساته، والمساهمة في إعادة نهوض اقتصاده. وإذ يعول لبنان على أن يكون للسعودية الدور الأكبر في ملف إعادة الإعمار، والذي تقدر كلفته بـ12 مليار دولار وفق دراسات وضعتها الحكومة الحالية، وأن الزيارة إلى السعودية من شأنها أن تطلق مسار الحشد العربي والدولي في هذا الخصوص، خصوصاً أن هناك مؤتمرات دولية مخصصة للبنان في طور الإعداد في انتظار المساهمات والمساعدات العربية لنجاحها، ومنها المؤتمر الدولي الخاص بلبنان الذي تعمل فرنسا على تنظيمه لتوفير الدعمي المالي له.

وتكشف مصادر في القصر الجمهوري عن أن ملف إعادة الإعمار مرتبط ببعض الخطوات التي على الحكومة أن تتخذها وأهمها إنشاء صندوق خاص ومستقل سبق وتعهد الرئيس نواف سلام تشكيله بعد نيل حكومته الثقة. وتؤكد المصادر أن الرئيس عون سيقدم الشكر إلى المسؤولين في السعودية باسم الشعب والحكومة اللبنانية لكل الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قامت وتقوم بها السعودية تجاه لبنان، خصوصاً أنها لم تتراجع يوماً عن تأكيدها دعم مؤسساته الدستورية والشرعية. ومن المتوقع أن يشدد رئيس الجمهورية على تمسك لبنان بأقوى العلاقات بين البلدين، وأن الحفاظ عليها وتطويرها على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هو في سلم أولوياته. وفيما ينتظر أن تعيد الزيارة الأولى للرئيس عون إلى السعودية الحياة إلى اللجنة اللبنانية – السعودية بعد توقف دام سنوات، تردد أن أولى نتائج هذه الزيارة ستكون رفع الحظر عن السعوديين الراغبين بزيارة لبنان خلال الأشهر المقبلة. أما الكلام عن وديعة سعودية فتشير المصادر إلى أن هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من الاتصالات والمشاورات بين القطاعات الاقتصادية والمصرفية، وهو ما لا يمكن حله في الزيارة الأولى لرئيس الجمهورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختيار عون السعودية ليس تفصيلاً

يؤكد الكاتب السياسي منير الربيع أنه بعد جلسات الثقة لحكومة الرئيس نواف سلام يمكن الاعتبار أن عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون ونواف سلام بدأ فعلياً انطلاقاً من الثقة التي حازاها من مجلس النواب. ويرى أن هذه الثقة ليست لبنانية فقط، إنما صناعة العهد والحكومة، وآلية تشكيل الحكومة تعبر عن ثقة إقليمية ودولية في المرحلة الجديدة والمقبلة في لبنان، وأن هذه الحكومة والعهد هي ترجمة لتلك الثقة وللاحتضان العربي والدولي، “ليس بسيطاً أن يختار الرئيس عون السعودية محطة أولى لزياراته الخارجية، ولا يمكن إغفال تفصيل مهم حصل خلال استقباله وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله حين بادره عون بالقول: وأخيراً”. ويعتبر الربيع أن اختيار الرئيس عون السعودية لتكون أولى الدول التي يزورها بعد انتخابه، هو تأكيد على المسار اللبناني الجديد الذي سلكه لبنان، خصوصاً بعد الشروط والضغوط العربية والإقليمية التي سعت في الفترة السابقة إلى إعادة لبنان إلى الحضن العربي والتزامه الإجماع العربي، “وهذا ما يركز عليه رئيس الجمهورية بالشكل والمضمون، في الشكل من خلال الزيارة إلى الرياض، وفي المضمون من خلال المحادثات التي سيعقدها هناك، والتي استبقها بموقف لافت أمام رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف عندما قال له: لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه، وإنه يلتزم مقررات قمة الرياض في ما يتعلق بحل الدولتين لقضية فلسطين، وبهذين الموقفين يكون لبنان قد خطا خطوة متقدمة جداً على طريق الاندماج بالموقف العربي، ولا سيما مع الموقف السعودي”.

ولا يغفل الكاتب السياسي الجانب الاقتصادي للزيارة في ظل الاتفاقات، وعددها 22، المنوي عقدها مع السعودية في مجالات اقتصادية وتجارية متنوعة، وإذا كان توقيعها مؤجلاً لما بعد إعدادها من قبل الحكومة بصورة نهائية بحسب الوزارات المعنية بها، إلا أن رئيس الجمهورية حريص على توقيع هذه الاتفاقات هو ورئيس الحكومة، مما يشير إلى اندماج لبناني أكثر في المحور العربي، والذي تقوده السعودية في هذه المرحلة إلى جانب دول أخرى بما فيها مصر وقطر المشاركتان في المجموعة الخماسية المعنية بالملف اللبناني، ودول خليجية أخرى لها علاقة بإنشاء صندوق لمساعدة لبنان في إعادة الإعمار وفي إعادة تعزيز وضعية مؤسساته.

زيارة الرئيس عون إلى السعودية تؤكد، بحسب الربيع، “أن لبنان انتقل إلى مرحلة جديدة على المستوى السياسي وفي المنطقة، ولا يمكن إغفال مواقف رئيس الجمهورية ومواقف رئيس الحكومة ومضمون البيان الوزاري عن التطورات التي تحصل في سوريا وعن الاهتمام السعودي بسوريا، وكأن البلدين أصبحا يتشابهان ويرتبطان ببعضهما بعضاً ضمن السلة العربية، خصوصاً أن السلطة اللبنانية والسلطة السورية لديهما كل الحرص على التقارب أكثر مع العرب ومطامح للحصول على مزيد من المساعدات العربية. وليس بسيطاً أن يقول رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في افتتاح المؤتمر الوطني السوري للحوار ما قاله رئيس الجمهورية اللبناني في خطاب القسم وما أكد عليه رئيس الحكومة نواف سلام في تلاوة البيان الوزاري أمام مجلس النواب، إذ تحدث الثلاثة عن حصر السلاح بيد الدولة ووحدة البلد ومنع التقسيم والتركيز على إعادة بناء المؤسسات والإصلاحات اللازمة، مما يوحي بتلازم بين المسارين اللبناني والسوري بما يندمج مع الرؤية العربية أو الرؤية السعودية”.

ممانعون يرحبون

في مقلب “الثنائي الشيعي” (“حزب الله” وحركة “أمل”) الذي يضع في سلم أولوياته ملف إعادة الإعمار لما تسببت فيه “حرب الإسناد”، والذي يؤمل أن تكون للسعودية المساهمة الكبرى، يتطلع عضو “كتلة التنمية والتحرير” لـ”حركة أمل” النائب قاسم هاشم بإيجابية مطلقة إلى زيارة رئيس الجمهورية إلى السعودية. ويؤكد في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “أن اللبنانيين ينتظرون هذه الزيارة لإعادة بناء الثقة بين الدولتين وإزالة الشوائب التي حكمت العلاقة في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعدما أبدت القيادة السعودية، بعد انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون وتشكيل الحكومة، كل إيجابية واستعداد للتعاون ومساعدة اللبنانيين للخروج من أزماتهم، وهذه كلها إشارات تحمل الأمل لعودة الأمور إلى نصابها، وتفتح الباب أمام عودة العلاقات اللبنانية العربية، بخاصة الخليجية، إلى سابق عهدها وتطويرها نحو الأفضل، وهذا ما يعول عليه لبنان”. وينظر هاشم بتفاؤل إلى الزيارة المنتظرة ونتائجها، ويؤكد أنه لمس هذا التوجه الإيجابي في اللقاءات التي عقدها في باكو (عاصمة أذربيجان) خلال مشاركته في مؤتمر البرلمانات الآسيوية، مع ممثلي المجالس الخليجية، والذين أبدوا الاستعداد لتفعيل العلاقات مع لبنان والحرص على الاستثمار والحضور الإيجابي.

ولكن هل يتوجس هاشم من شروط قد يتأثر بها “محور الممانعة” لقاء عودة العلاقات مع السعودية إلى سابق عهدها؟ يرد باقتضاب، “إن العهد الجديد يشكل ضمانة، وهو مكان ثقة لدى السعودية ولدى دول الخليج”.

الأثر في اللبنانيين والاقتصاد

يصل عدد المقيمين اللبنانيين في السعودية إلى نحو 100 ألف، 54 ألفاً منهم بحسب هيئة الإحصاء السعودية يحملون إقامات على جوازات السفر اللبنانية، والباقي موزعون على لبنانيين حاملي جوازات سفر أجنبية أو لبنانيين حاملي تأشيرة عمل موقت. وخلال الفترة الماضية كانت تحويلات الاغتراب هي الرافد الرئيس للاقتصاد اللبناني، وبلغت بحسب البنك الدولي ما يقارب 7 مليارات دولار عبر البنوك ومنصات التحويل، وهناك مبلغ مُساوٍ سنوياً يحمله المغتربون معهم بعد تراجع ثقتهم بالقطاع المصرفي، وينعكس هذا الرقم في الاقتصاد وتحديداً في حجم الاستيراد الذي يبلغ 20 مليار دولار.

وتقدر خسائر الاقتصاد اللبناني بسبب الأزمة اللبنانية – السعودية بنحو 300 مليون دولار، وشكل قطاع الصادرات القطاع الأكثر تضرراً في الأزمة الماضية بين البلدين، بعد قرار السعودية وقف استيراد المنتجات اللبنانية إثر عمليات تهريب المخدرات إليها عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

ويعول اللبنانيون العاملون في السعودية كثيراً على زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى السعودية، ويعتبر رئيس مجلس التنفيذيين اللبنانيين ربيع الأمين أن هذه الزيارة ليست عادية، بل هي زيارة فوق العادة، ويرى في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن لبنان اليوم أمام فرصة كبيرة لإعادة صياغة علاقاته العربية من البوابة السعودية، لجهة الدور المهم الذي تلعبه السعودية حالياً على الساحتين العربية والدولية والحراك الاقتصادي الذي تشهده ضمن “رؤية 2030”.

وإذ يتريث الربيع في الحديث عن نتائج الزيارة، إلا أنه يجزم بأن الرئيس عون سيلقى كل الترحيب بالشكل وبالمضمون، لأن رسالة السعودية دائماً واضحة تجاه لبنان، وهي “ابنوا دولة، ونحن معكم، وإذا وجدنا منكم الإرادة فستجدون منَّا المساعدة”. ويؤكد أن هناك 22 اتفاقاً اقتصادياً جاهزة للتوقيع وعودة السياح السعوديين إلى لبنان والاستثمارات. ويضيف، “لكن هذا يتطلب وجود دولة قادرة على إمساك الأمن وقضاء يحمي الاستثمارات وقطاع مصرفي يستعيد ثقة العالم من جديد”.

“لم يلقَ اللبنانيون في السعودية إلا كل ترحيب”، يضيف الأمين، ويكشف عن أن الجهات الرسمية السعودية حرصت دائماً على عدم تحميل أبناء الجالية أخطاء بعض الساسة اللبنانيين. ويؤكد أنهم يتطلعون بشوق إلى زيارة رئيس الجمهورية لأنها ستكون فاتحة خير لإعادة صياغة علاقة تشاركية تكاملية بين لبنان والسعودية مبنية على الثقة والاحترام وعلى الحاجات الاقتصادية للبلدين، ويأمل في أن تكون مدخلاً لإعادة بناء السمعة اللبنانية من جديد بعيداً من شوائب التهريب والانتظام في الحروب الإقليمية والحروب الطائفية والمذهبية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية