“كلنا أولاد حواء وآدم”—جملة يرددها الناس تعبيرًا عن أن جميع البشر يعودون في أصلهم إلى أول زوجين خلقهما الله، كانت حواء أول امرأة في التاريخ، وأم البشرية جميعًا، حيث اجتمع حولها العديد من الروايات الدينية في الإسلام والمسيحية واليهودية، ما جعلها شخصية محورية في قصص بدء الخليقة.
خلق حواء: البداية
وفقًا للديانات الإبراهيمية، خلق الله حواء من ضلع آدم وهو نائم في الجنة، وجعلها زوجة له ليسكن إليها، وقد ورد في الحديث الشريف:
“استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلِقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا” (رواه البخاري ومسلم).
وقد سكنت حواء مع زوجها في الجنة، وعاشا فيها بنعيم، حتى وسوس لهما الشيطان ليأكلا من الشجرة المحرمة، فكان ذلك سببًا في نزولهما إلى الأرض، كما ورد في القرآن الكريم:
“فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ” (البقرة: 36).
حواء في القرآن والسنة
لم يُذكر اسم حواء صراحةً في القرآن الكريم، ولكنها ذُكرت بلفظ “زوج آدم” في عدة مواضع، مثل:
- “وَقُلْنَا يَا آدَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ” (البقرة: 35).
- “وَيَـٰٓـَٔادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا” (الأعراف: 19).
أما في السنة النبوية، فقد ورد ذكرها في عدة أحاديث، منها قول النبي ﷺ: “لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ” (رواه البخاري ومسلم).
دورها كأول أم في التاريخ
بعد نزولهما إلى الأرض، بدأ آدم وحواء حياتهما في كوكب جديد لم يعهداه من قبل، حيث واجها تحديات الحياة الأولى من مأكل ومأوى وتربية الأبناء.
وقد أنجبت حواء العديد من الأبناء، منهم قابيل وهابيل، اللذان وقعت بينهما أول جريمة قتل في تاريخ البشرية.
تقول بعض الروايات إن حواء كانت تلد في كل مرة توأمًا، ذكرًا وأنثى، وكان يُسمح بزواج أبناء البطن الأول من بنات البطن الثاني، استنادًا إلى قوله تعالى:“يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًۭا كَثِيرًۭا وَنِسَآءًۭ” (النساء: 1).
مأساة الأمومة: بين قاتل ومقتول
أكبر مأساة مرت بها حواء كانت عندما قَتل قابيل أخاه هابيل، ليصبح أول قاتل في التاريخ، وأول أمٍ تفقد أحد أبنائها بطريقة مأساوية.
وقد كانت هذه الجريمة سببًا في تعليم البشرية كيفية الدفن، كما جاء في القرآن الكريم:
“فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابًۭا يَبْحَثُ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُرِيَهُۥ كَيْفَ يُوَٰرِى سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَٰوَيْلَتَىٰٓ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى” (المائدة: 31).
دروس من حياة حواء
- المساواة بين الرجل والمرأة: خُلقت حواء من آدم، ولكنها لم تكن أقل منه شأنًا، بل كانت شريكته في الحياة، وهذا يرسّخ مفهوم التوازن بين الجنسين.
- التوبة والمغفرة: بعدما أكل آدم وحواء من الشجرة، علّمهما الله كيفية التوبة، فكانت هذه بداية مفهوم المغفرة في الحياة البشرية.
- قوة الأمومة: تحملت حواء ألم الفقد، وكانت أول من علّمت بناتها كيفية تسيير أمور الحياة، لتكون قدوة للأمهات في التضحية والصبر.
حواء ليست مجرد اسم في التاريخ، بل هي رمز للأمومة، العطاء، والخطيئة الأولى التي قادت البشر إلى الأرض. قصتها تحمل معاني عميقة عن الحب، الفقد، والغفران، مما يجعلها شخصية خالدة في الذاكرة الدينية والإنسانية.
نقلاً عن : الوفد