جذبت قاعات المؤتمرات في منتجع وكازينو “أريا” على شريط لاس فيغاس حشوداً ضخمة من المصرفيين وعملائهم طوال أربعة أيام الماضية، مرتدين زيّاً عصرياً من المعاطف الرياضية الإيطالية وأحذية المكتب الرياضية، وتبادلوا التحيات بضربة قبضة وهم يتوجهون إلى اجتماعاتهم التالية، مما أضفى جواً من لم شمل حافل بالفرح.

كانت الأجنحة الفاخرة في الفندق محجوزة بالكامل، ونظم مصرفيو “سيتي غروب” أكثر من 900 اجتماع، وكانت إحدى الندوات حول مراكز البيانات المشهورة لدرجة أن الحضور جلسوا على الأرض، ومن ثم وصل “بنك أوف أميركا” مع عملائه الذين اصطحبهم في رحلة تزلج إلى مدينة بارك سيتي في ولاية يوتا.

ومع 10 آلاف مشارك، كان مؤتمر أسواق رأس المال في العالم (SFVegas 2025)، الذي انعقد في منتجع وكازينو “أريا” في لاس فيغاس، هو الأكبر على الإطلاق، وهو يوصف بالتجمع السنوي لصناعة التمويل الهيكلي، وكان آخر مرة شهد فيها مثل هذا الازدهار في عامي 2006 و2007، حين كانت سندات الرهن العقاري تُباع بصورة هائلة وكان هذا الجمهور في ذروة نشاطه.

عودة التمويل الهيلكي

لكن هذه الشخصيات المالية تسببت في انهيار الاقتصاد الأميركي وأرسلت النظام المالي العالمي إلى حافة الهاوية عامي 2007 و2008، واليوم عاد التمويل الهيكلي، إذ تعيد “وول ستريت” مجدداً إنشاء الأوراق المالية المدعومة بكل شيء وبيعها، فكلما كانت الفكرة أكثر ابتكاراً كانت أفضل، بما في ذلك قروض الشركات وديون بطاقات الائتمان الاستهلاكية، ومدفوعات تأجير السيارات والطائرات وعربات الغولف، والمدفوعات إلى مراكز البيانات. وبعدما كانت السندات المدعومة بالرهن العقاري هي المسيطرة، أصبحت الآن الصفقات عند كل زاوية في الاقتصاد تقريباً.

شهد المؤتمر حضور أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الحضور في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس في وقت سابق من هذا العام، وما يقارب ضعف العدد الذي جمعه مؤتمر معهد “ميلكن العالمي” في بيفرلي هيلز في مايو (أيار) 2024.

وفي أوائل العقد الأول من الألفية، كان الأميركيون – حتى أولئك الذين لديهم درجات ائتمانية منخفضة – يشترون المنازل بأعداد ضخمة ويحصلون على قروض عقارية من البنوك التي توفر ميزات مثل عدم وجود دفعات أولى، وجمعت البنوك تلك القروض وباعتها للمستثمرين الذين راهنوا بصورة كبيرة على أن أصحاب المنازل لن يتخلفوا عن السداد، لكن الآلة المالية التي كانت تدفع الازدهار انهارت عندما تراجعت أسعار العقارات وتوقفت أسواق الائتمان، مما أدى إلى انهيار شركات “وول ستريت” مثل “ليمان براذرز”، بينما حصلت بنوك أخرى على إنقاذ حكومي.

وقالت الشريكة الإدارية في بنك الاستثمار المتخصص “غرينز ليدج”، ليزلي غولدواسر، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، “إنه أمر مذهل بالنسبة إلي، تابعت هذا بدهشة تامة.”

وسجلت إصدارات جديدة من بعض أكثر أنواع الائتمان الهيكلي تداولاً في الولايات المتحدة مستويات قياسية عام 2024 ومن المتوقع أن تتجاوز هذه الأرقام هذا العام، وفقاً لشركة “أس آمد بي غلوبال”، وبلغ إجمال الأوراق المالية المدعومة بالأصول 335 مليار دولار العام الماضي، وارتفعت التزامات القروض المضمونة، أو سلال ديون الشركات، إلى 201 مليار دولار، وهو أيضاً رقم قياسي جديد.

اليوم، يرغب كبار المستثمرين في شراء هذه الأنواع من الأوراق المالية لأنهم يعتقدون أنها آمنة نسبياً وتحقق عوائد أكبر من السندات المدعومة من الحكومة، أما البنوك، فهي في الغالب تلعب دور الوسيط بعدما أدت اللوائح بعد عام 2008 إلى تقليص قدرتها على الإقراض، وفتح ذلك المجال لشركات إدارة الصناديق الكبرى مثل “كي كي آر” و”أبولو غلوبال مانيغمينت” و”آريس مانيغمنت”، للتدخل وتقديم القروض برؤوس أموالها الخاصة.

وزارت غولدواسر الحدث السنوي في فيغاس ما لا يقل عن 10 مرات، وكانت تعمل في “بير ستيرنز” عام 2008 عندما كادت الشركة تنهار وبيعت إلى “جيه بي مورغان”، وقالت “فقدت شركتي ووظيفتي، وكان الكثير من الناس يوجهون اللوم إلينا”.

وأضافت غولدواسر أن الأعمال عادت لأن الكثير من الديون المهيكلة أدت أداء جيداً بمرور الوقت، وأثبتت أنها مفيدة للشركات الصغيرة التي تبحث عن تمويل أقل كلفة.

الديون المدعومة بالأموال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي

أما كبير محللي الأوراق المالية المهيكلة في “بنك أوف أميركا”، كريس فلاناغان، فيرى أن مبيعات الديون المهيكلة شهدت ارتفاعاً كبيراً منذ جائحة “كوفيد-19″، عندما خفض “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة وكان المستثمرون غارقين في السيولة ويبحثون عن استثمارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشمل ذلك الديون المدعومة بالأموال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والطاقة الشمسية وحتى المدفوعات من مرضى جراحة التجميل، وبلغت السندات المدعومة بعقود إيجار مراكز البيانات والشبكات البصرية – التي تدير عمليات الذكاء الاصطناعي للشركات – 4 مليارات دولار في أول شهرين من هذا العام، وهو ما يعادل ثلث إجمال الإصدارات عام 2024، وفقاً لشركة “فينسايت”.

تدفق الأموال من شركات الاستثمار

وكان أحد المواضيع الساخنة للنقاش في المؤتمر هو تدفق الأموال القادمة من شركات الاستثمار التي تعقد بنفسها صفقات ضخمة للديون الخاصة المهيكلة.

تعد شركة “أريس مانغمنت” جزءاً من هذه الموجة الجديدة، إذ بدأت عام 1997 كمدير صندوق يركز على الأسهم الخاصة والسندات ذات العائد المرتفع، ولديها الآن أصول تحت الإدارة تصل إلى 484 مليار دولار، وتستثمر نحو 10 في المئة من هذه الأموال في الأوراق المالية المدعومة بالأصول (ABS)، وهي نوع من الاستثمارات المالية المضمونة بمجموعة أساسية من الأصول.

فليكس زانغ، البالغ من العمر 35 سنة، الذي كان في عاميه الدراسيين في هارفارد عام 2008، هو الشريك الكبير الذي أرسلته شركة “أريس” مع فريق مكون من 20 شخصاً إلى المؤتمر.

وانضم زانغ، الذي عمل في السابق مصرفياً استثمارياً في “غولدمان ساكس”، إلى “أريس” عام 2015 للمساعدة في تعزيز أعمالها في الأوراق المالية المدعومة بالأصول الخاصة، وكان جزءاً من نزوح مصرفيي الأوراق المالية المدعومة بالأصول الذين طردوا بسبب التنظيمات المشددة.

حظي جزء من المؤتمر الذي ركز على السندات المدعومة بمراكز البيانات بشعبية واسعة لدرجة أن الحضور اضطروا إلى الجلوس على الأرض للاستماع إلى المحللين مثل جيسون بان، الذي قال إن النمو في قطاع مراكز البيانات أصبح هائلاً، في حين أشار إلى ضرورة توخي الحذر من الحماسة المفرطة في السوق.

نقلاً عن : اندبندنت عربية