انتهى الحفل بفوز “أنورا” للمخرج الأميركي شون بايكر كأفضل فيلم لعام 2024، حاصداً خمس جوائز من أصل ثمانية ترشيحات. أربع من هذه الجوائز كانت من نصيب شون بايكر (54 سنة) بنفسه، حيث أعطي جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج، ليصبح أول سينمائي في تاريخ الـ”أوسكار” يحصل على هذه الجوائز الأربع الكبرى لفيلم واحد، وذلك باعتباره تولّى بنفسه مهام الإنتاج والإخراج والكتابة والتوليف. إنها أمسية “أوسكارية” تكرس فيها على أرفع منبر سينمائي في أميركا، بعد مرور أكثر من ربع قرن على انطلاقته. أما الجائزة الخامسة التي نالها الفيلم، فحصلت عليها ميكي ماديسون كأفضل ممثلة عن دورها فيه، مما شكل إحدى مفاجآت حفل تخلله العديد من الأشياء غير المتوقعة.

يقدم بايكر في فيلمه هذا الذي كان سبق أن فاز بـ”السعفة الذهبية” في مهرجان كانّ 2024، عملاً من نوع التراجيكوميديا حاملاً إيانا كعادته إلى عالم المهمشين والمتروكين لمصيرهم في أميركا. النص هزلي الطابع ينطوي على الكثير من المفارقات والأحداث المتلاحقة بحيث لا يهدأ لنا بال، مما يسمح لكل شخص أن يتلقى الفيلم وفقاً لوعيه السياسي ومرجعياته الثقافية. الفيلم يسلي المشاهدين الذين يفضلون الحبكة الواضحة، بينما يوفر في الوقت ذاته مساحة للتأمل العميق لأولئك الذين يسعون إلى الذهاب أبعد من الظاهر.

أنورا (ميكي ماديسون)، شابة في العشرين تنحدر من أصول مهاجرة. تعمل في نادٍ ليلي كراقصة متعرية، ولا تمانع في تقديم خدمات إضافية لبعض الزبائن مقابل المال. تمارس مهنتها بما يتوافق مع قناعاتها، بعيداً من الأحكام المجتمعية المألوفة. تتغير حياتها عندما تلتقي بإيفان، الشاب الروسي الذي ينتمي إلى عائلة أوليغارشية غنية (يؤدي دوره مارك أيدلستاين). إيفان في مثل سنها ولكنه غير ناضج، فهو يقضي معظم وقته في تبذير أموال والده. بعد فترة قصيرة من تعارفهما، يقدم إيفان عرضاً لأنورا بالزواج، فتوافق على الفور، إذ ترى في هذا العرض فرصة لتحسين وضعها الاجتماعي.

لكن عندما يكتشف والدا إيفان زواجه، يتحول مجرى الفيلم إلى مسار آخر. يأتي الوالدان مع قوتهما ونفوذهما، ويستعينان بثلاثة رجال قساة لفرض إرادتهما بهدف “تنظيف هذه الفوضى” وإلغاء عقد الزواج، في محاولة للعودة إلى الوضع الطبيعي، على نحو يضمن حماية طبقتهما الاجتماعية وامتيازاتهما. في عالمهما، مهما تكن تصرفات الشاب خاطئة، تبقى الفتاة هي المسؤولة الأولى، لأنها لا تنتمي إلى البيئة عينها.

قوة السلطة

يعكس شون بايكر في فيلمه شعوراً عميقاً بالعجز لدى شخصياته أمام قوة السلطة التي تقف في طريق أي تطلعات أو آمال للمستقبل. ولكن، على عكس الأفلام التي تركّز على تصوير الفقر بشكل مبتذل، يقدم هذا الصراع على نحو أقل وضوحاً وأكثر إحساساً بالمقاومة الصامتة، ليظهر التفاوت بين طبقة الأثرياء القادرين على فرض إرادتهم وحمايتهم لمكانتهم الاجتماعية، وبين الضعفاء الذين لا يمتلكون سوى أنفسهم، وأحياناً حتى هذا القليل يصبح بعيد المنال.

الفيلم الاستثنائي للمخرج الأميركي برادي كوربيت، “الوحشي”، (عُرض في مهرجان البندقية ونال جائزة الإخراج)، لم يحصد سوى ثلاث جوائز، صانعاً خيبة أمل عشاق هذا العمل الطموح. يتناول الفيلم السيرة المتخيلة لمعماري مجري (أدريان برودي) يهاجر إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ليخوض تجربة الحلم الأميركي، بما فيه من صعود وانهيار. أدريان برودي فاز عن دوره فيه بجائزة أفضل ممثل، محققاً فوزه “الأوسكاري” الثاني. أُسندت إلى الفيلم أيضاً جائزة أفضل موسيقى تصويرية من تأليف دانيال بلومبيرغ، وأخرى لأفضل تصوير سينمائي ذهبت إلى لول كرولي.

منذ اللحظة الأولى، يأسر “الوحشي” انتباه المشاهد ويثير العديد من التساؤلات. القصة تأخذنا عبر رحلة تمتد لأكثر من نصف قرن وثلاث ساعات ونصف الساعة من سينما ملحمية مبهرة، محورها شخصية تحاول الهروب من ماضيها المظلم نحو مستقبل غامض، عابرةً من فظائع النازية إلى آمال الرأسمالية.

خلافاً لما كان متوقعاً، استُبعد “إميليا بيريز” للمخرج الفرنسي جاك أوديار، على رغم ترشحه لـ13 جائزة، مما يثير الأسئلة حول تأثير الجدال الذي أحيط به في الأسابيع الأخيرة، فانتهى الأمر بحصوله على جائزة واحدة فقط، تمثّلت في “أفضل ممثلة في دور ثانوي” فازت بها زويه سالدانا، بينما فاز كيران كولكين بجائزة أفضل ممثل في دور ثانوي عن أدائه في فيلم “ألم حقيقي”.

يتناول الفيلم قصة تاجر مخدرات مكسيكي (كارلا صوفيا غاسكون) يخضع لعملية جراحية لتغيير جنسه، مما أثار ردود فعل غاضبة من المكسيكيين، وجعل المواقف تتشابك وتعزز الجدال حول الرسالة التي يحاول الفيلم إيصالها. تجاوز جاك أوديار الحدود التقليدية للسينما عبر تجربة بصرية وسمعية مبتكرة، تمتزج فيها الموسيقى بالمأساة لتروي قصة شخصية في عالم الجريمة المكسيكي. هناك حلم قديم يراود العابر جنسياً منذ طفولته: رغبة عميقة في التحول إلى امرأة. من خلال هذا الصراع الداخلي، قدم نظرة معقدة عن الهوية والجنس داخل سياق العنف والفساد الذي يعصف بعالم الجريمة المنظمة.

فيلم “المجمع السري” للمخرج الألماني إدفارد برغر، الذي كان مرشحاً لثماني جوائز “أوسكار”، انتهى بحصوله على جائزة واحدة فقط، وهي “أفضل سيناريو مقتبس”. يتناول العمل انتخاب بابا جديد بعد وفاة الأخير، في إطار من الرسائل السياسية التي تهيمن على الأحداث. وكانت جائزة “أفضل فيلم دولي” من نصيب “لا أزال هنا” للمخرج البرازيلي والتر ساليس، الذي يتطرق إلى مأساة اختفاء المعارضين خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل.

على رغم ما يتردد عن “صهيونية” هوليوود، فإن العرب كان لهم نصيب من رد الاعتبار. “لا أرض أخرى” تُوِّج بجائزة أفضل فيلم وثائقي، وهو عمل يروي قصة معاناة أهل قرية مسافر في فلسطين، حيث قام المخرج الفلسطيني باسل عدرا، مع زميله الإسرائيلي يوفال أبراهام، بتوثيق الأحداث التي شهدتها قريته تحت وطأة الاحتلال. هذا الفيلم، الذي فاز في وقت سابق بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين 2024، أثار ضجة واسعة بسبب الطرح الصريح لما تعرض له أهل المنطقة. من جهة أخرى، كان فيلم “فلو” للمخرج الليتواني غينتس زيلبالوديس هو الفائز بجائزة أفضل فيلم تحريك، علماً انه كان عُرض في مسابقة “نظرة ما” داخل مهرجان كانّ الماضي ولم يكن له أي حظ.

على مستوى الأفلام القصيرة، نال “لستُ آلة” للمخرجة الهولندية فيكتوريا فارمردام جائزة أفضل روائي قصير، بينما نال “الفتاة الوحيدة في الأوركسترا” للمخرجة الأميركية مولي أوبراين جائزة أفضل وثائقي قصير. أما جائزة أفضل تحريك قصير فذهبت إلى “في ظل شجرة السرو” للمخرج الإيراني حسين مليمي. الجوائز التقنية وُزِّعت بين ثلاثة أفلام: “ويكد” (أفضل أزياء وأفضل ديكور) و”دون: الجزء الثاني” (أفضل صوت وأفضل مؤثرات بصرية) و”المادة” (أفضل ماكياج وأفضل تصفيف شعر).

نقلاً عن : اندبندنت عربية