لم يذكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب “أوبك” وأعضاءها بالاسم منذ فترة، وبخاصة عندما أعلن تشديد العقوبات على إيران، التي أطلق عليها “سياسة الضغط الأقصى”، ربما لأن أسعار النفط قريبة من المستويات التي لا تزعج سيد البيت الأبيض، وربما لأنه أُقنع من بعض دول تحالف “أوبك+” بعدم ذكرها.
إلا أن سياسات ترمب الحالية هي في النهاية حرب على تحالف “أوبك+” بطرق مختلفة، فالهدف الرئيس للتحالف هو استقرار أسواق النفط وتخفيض التقلبات إلى أقل حد ممكن، وسياسات ترمب هي المصدر الرئيس للتقلبات وعدم الاستقرار، وعلى رغم أن التحالف لا يستهدف سعراً معيناً، يهدف إلى منع أسعار النفط من الانهيار، لأن انهيار الأسعار يؤدي إلى مزيد من التقلبات الكبيرة، ويمنع استقرار الأسواق. وسياسات ترمب قد تؤدي إلى انهيار الأسعار لأن الحروب التجارية ورفع الضرائب الجمركية بصورة كبيرة قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي ويخفض الطلب على النفط.
شدد ترمب العقوبات على دولتين هما إيران وفنزويلا، وكلاهما عضو في “أوبك+”، وفرض الرئيس الأميركي ضرائب جمركية على الواردات من المكسيك، والمكسيك عضو في “أوبك+”، ورفع ترمب الضرائب على الصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم، وأكبر مستورد لنفط “أوبك+”!.
وترمب يتفاوض مع روسيا، ليس في شأن إنهاء الحرب في أوكرانيا فحسب، ولكن أيضاً حول التعاون الاقتصادي والتجاري والبحثي واستخراج الموارد الطبيعية في القطب الشمالي وإمدادات الغاز لأوروبا والأسلحة النووية، وفي الوقت نفسه هناك عدد كبير من العقوبات الأميركية على موسكو والموانئ والسفن الروسية، ومنها حاملات النفط.
ويرى بعض المحللين أن هدف تعاون ترمب مع بوتين وإذلال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في البيت الأبيض هو عزل الصين من طريق إبعاد روسيا عنها، وروسيا عضو في “أوبك+”!.
باختصار، هناك تعارض وتداخل كبيران بين سياسات ترمب ودول “أوبك+”.
الضرائب الجمركية على كندا والمكسيك والصين
منذ ثلاثة أيام أعلن ترمب أنه سيفرض ضرائب جمركية على الواردات من كندا والمكسيك بمقدار 25 في المئة وضرائب جمركية إضافية قدرها 10 في المئة على الواردات من الصين على أن يبدأ التطبيق اليوم الثلاثاء.
سبب الضرائب هو أن كندا والمكسيك والصين لم تقم بما فيه الكفاية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة ووقف تدفق المخدرات وبخاصة الفانتالين. واعتبر البيت الأبيض أن كليهما يهدد الأمن القومي الأميركي، ومن ثم لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة.
إلا أن ترمب وإدارته خلطوا الحابل بالنابل في البيان الذي صدر عن البيت الأبيض، إذ ذكرت البيانات أن فائض الفولاذ والألمنيوم في السوق يهدد الأمن الأميركي أيضاً، ومن ثم لا بد من اتخاذ إجراءات لوقف تدفقهما من كندا والمكسيك.
كندا هي أكبر مصدر لكلا المادتين للولايات المتحدة، والمكسيك هي ثاني مصدر للفولاذ وثالث مصدر للألمنيوم بعد الصين.
كما ذكر البيان عدم احترام الصين الملكية الفكرية وسرقتها كثيراً من طرق الإنتاج الأميركية، وإجبارها الشركات الأجنبية العالمية في الصين على نقل التقنية.
الغريب بالأمر أن البيت البيض يستدل بنجاح هذه السياسة بتراجع الرئيس الكولومبي عن قراراته وقبوله الشروط الأميركية، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين المشكلات التي كانت مع كولومبيا والمشكلات مع الصين والمكسيك وكندا، لهذا فالاستدلال غير منطقي. والحقيقة أنه إذا كان البيت الأبيض يعتقد بهذا الاستدلال فإن الأمر كارثي أكثر مما يتصور الكثير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه ذكر أعضاء ضمن إدارة ترمب خلال مقابلات في وسائل الإعلام أن ما سيتم الإعلان عنه اليوم يختلف عما هو متداول الآن وأن نسبة الضرائب الجمركية ستكون أقل، وواضح أن هناك تخوفاً من قبل وزارة الخزانة الأميركية من رد فعل سلبي من الأسواق، لذلك يريدون أن يعطوها الأخبار السيئة جداً في البداية، ثم تأتي أخبار أفضل لاحقاً، ولكن نهايتها فرض ضرائب على كل حال.
التفاصيل غير واضحة حتى الآن، ولكن السيناريوهات المطروحة تتمثل في…
– تأجيل فرض الضرائب على كندا والمكسيك لمدة شهر آخر، واحتمالية تبني هذا القرار كبيرة.
المشكلة هنا تقودنا إلى مقدمة هذا المقال التهديد والتأجيل يزيدان الذبذبة في الأسواق، وهذا يجعل مهمة “أوبك+” في تحقيق التوازن والاستقرار في أسواق النفط أكثر صعوبة.
– فرض ضرائب منخفضة على كندا والمكسيك وتطبيق 10 في المئة الإضافية على الواردات من الصين.
هذا احتماله كبير ولكن أقل من الاحتمال الأول، هذا القرار سيزيد من تقلب الأسواق ولكن لسبب يختلف عن السبب المذكور أعلاه، سيبدأ التجار والمضاربون والشركات بإعادة كل الحسابات لأن هذا القرار سيرفع الأسعار وسيزيد مستويات التضخم، كما أنه سيؤثر في أسعار صرف العملات، ومن ثم فإنه سيجعل جهود أوبك أكثر صعوبة.
مثلاً، ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى يعني أن النفط سيصبح أغلى ثمناً في كثير من الدول المستوردة التي انخفضت عملتها مقابل الدولار، على رغم أن سعر النفط بالدولار لم يتغير، هذا يعني أن الطلب على النفط لن ينمو بالصورة المتوقعة.
– فرض الضرائب كما ذكرت، 25 في المئة على كل الواردات من كندا والمكسيك و10 في المئة إضافية على الصين.
فرص تطبيق هذا القرار ضئيلة، ولكن تطبيقه قد ينتج منه ركود اقتصادي عالمي وذلك لأن هذه الدول سترد بفرض ضرائب مماثلة على واردات البضائع الأميركية، وبخاصة في ضوء تهديد ترمب لدول الاتحاد الأوروبي بفرض ضرائب جمركية عليها أيضاً. هذه الحرب التجارية بهذه الصورة ستكون مدمرة للاقتصاد العالمي وستخفض الطلب على النفط، وهذا سيضع “أوبك+” في مأزق.
وفي حال حدوث هذا السيناريو فإن توازن السوق يتطلب تخفيض إنتاج “أوبك+” بنحو 1.5 مليون برميل يومياً فوق كل التخفيضات السابقة.
المشكلة أن هناك دولاً في “أوبك+” سترفض التخفيض والتعاون مع الدول الأخرى، مما يعني قيام بعض الدول بتحمل أعباء تخفيض الدول الأخرى أو انهيار أسواق النفط.
وقد ينتج من ذلك مشكلة سياسية أيضاً لأن إدارة ترمب ستهاجم محاولات دول “أوبك+” تحقيق التوازن في أسواق النفط وستنظر إليه على أنه تخفيض للإنتاج ورفع للأسعار في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي ركوداً اقتصادياً، وهو تكرار لاتهامات مماثلة من إدارات أميركية عدة في الماضي.
خلاصة الأمر أن ترمب هو أكبر مصدر لتقلبات الأسواق كلها في 2025، ومنها سوق النفط، وتستطيع “أوبك+” إدارة السوق وتخفيض هذه التقلبات في ظل وجود نمو في الطلب العالمي على النفط، ولكن الأمر سيكون صعباً للغاية إذا نتج من حروب ترمب التجارية ركود اقتصادي يخفض الطلب على النفط.
المشكلة الأكبر أن حدوث ركود اقتصادي في 2025 يؤدي إلى ارتفاع المخزونات النفطية بصورة كبيرة، وهذا سيلقي بظلاله على 2026!.
والدرس الكبير لكل الناس مما يحصل هو أننا نعيش في قرية كونية… خلاف تجاري بين الجيران في أميركا الشمالية يؤثر في العالم كله، وخلاف تجاري بين الولايات المتحدة والصين يؤثر في العالم كله، لهذا لا يمكن لأي عربي أن يعتقد أنه خلاف أميركي-صيني أو أميركي-كندي، ولا علاقة للعرب به… الأثر سيظهر في بيوت الجميع لأن حروب ترمب التجارية تؤثر في التضخم وأسعار العملات، ومن ثم أسعار النفط، وأسعار السلع.
نقلاً عن : اندبندنت عربية