بدأ معدل التضخم في التراجع، لكن هناك جرس إنذار آخر يدق في شأن الاقتصاد الأميركي، إذ تباطأ مقياس التضخم المفضل لدى بنك “الاحتياطي الفيدرالي” كما كان متوقعاً في يناير (كانون الثاني) الماضي، ومع ذلك جاءت الأخبار الجيدة مصحوبة بعلامة حمراء محتملة أخرى للمحرك الاقتصادي الأميركي، إذ تراجع المستهلكون عن إنفاقهم بأكبر قدر منذ ما يقارب أربعة أعوام.

وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي 2.5 في المئة خلال يناير الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، متباطئاً من المعدل السنوي البالغ 2.6 في المئة في ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الأميركية.

كان من المتوقع أن ينخفض ​​الإنفاق الاستهلاكي في يناير، فيما جاءت بيانات مبيعات التجزئة الشهر الماضي أقل بكثير من التوقعات، لكن المستهلكين تراجعوا عن الشراء أكثر بكثير مما توقعه الاقتصاديون، إذ انخفض الإنفاق 0.2 في المئة خلال الشهر، وبعد تعديله في ضوء التضخم، انخفض 0.5 في المئة، وهذه هي أكبر الانخفاضات الشهرية منذ فبراير (شباط) 2021.

وأظهرت البيانات، أن الإنفاق على السلع، وخصوصاً السيارات وغيرها من السلع باهظة الثمن، انخفض بصورة أكبر. وواصل المستهلكون الإنفاق على الأساسيات، مثل السكن والغاز، مع تخصيص أموالهم التقديرية أيضاً لتناول الطعام بالخارج والأنشطة الترفيهية الأخرى في الفنادق.

المستهلكون يقررون الجلوس والانتظار

للوهلة الأولى، يبدو أن تراجع الإنفاق في يناير، وهو أول قراءة شهرية سلبية منذ ما يقارب عامين، يؤكد الصورة المثيرة للقلق على نحو متزايد للتوقعات الاقتصادية.

ولم تستمر ضغوط الأسعار فحسب، بل إن عدداً كبيراً من البيانات الأخيرة يشير إلى أن الاقتصاد الأميركي بدأ يتراجع بالفعل وهو ما ظهر بالفعل في خمسة مؤشرات، إذ تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع الاستثمار في الأعمال التجارية، وتدهورت معنويات المستهلكين، وارتفعت طلبات إعانة البطالة، وتوقعات التضخم في ارتفاع.

ومع ذلك يشير الاقتصاديون إلى أن تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي في يناير قد يعكس أيضاً عوامل مثل الطقس البارد، وحرائق الغابات القاتلة، والتراجع الطبيعي عن شراء السلع الباهظة في الأشهر السابقة، وخفض تجار السيارات الحوافز بعد ديسمبر (كانون الأول) 2024. وفي مذكرة بحثية حديثة، كتب كبير الاقتصاديين في “فودبوندس” كريستوفر روبكي، “المستهلكون يتدافعون للتعامل مع رياح التغيير القادمة من واشنطن، ويبدو أنهم قرروا الانتظار والانتظار”.

ومن المؤكد أنه مع ارتفاع الدخول في يناير (زادت بنسبة 0.9 في المئة)، امتص المستهلكون تلك الدولارات بدلاً من الإنفاق. وأظهر تقرير حديث، أن معدل الادخار الشخصي ارتفع بصورة كبيرة في يناير، إذ قفز إلى 4.6 في المئة من 3.5 في المئة.

في تعليقها، قالت محللة الاقتصاد الكلي بيث آن بوفينو، إن “الإنفاق كان أقل بكثير من المتوقع… جاء ذلك بعد قراءات قوية جداً في الأشهر السابقة، مرتبطة جزئياً بالإنفاق في العطلات إضافة إلى إعادة البناء بعد الأعاصير التي حدثت في أكتوبر (تشرين الأول) وسبتمبر (أيلول) من العام الماضي”. ورجحت أنه قد يكون هناك انتعاش في الإنفاق في الأشهر المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أن سوق العمل لا تزال قوية.

وكتب اقتصادي الشركات في اتحاد الائتمان الفيدرالي البحري روبرت فريك، “إلى جانب الانخفاض الكبير في الإنفاق الذي يمكن تفسيره على أنه موقت، كان التقرير يحمل أخباراً جيدة عن التضخم وأخباراً ممتازة عن الدخل… يميل الإنفاق إلى اتباع الدخل، وبينما يشعر المستهلكون بالتوتر كما يتضح من معنويات المستهلك الضعيفة الأخيرة وإجراءات ثقة المستهلك، إذا كان لدى الناس المال، فإنهم عادة ما ينفقونه”.

كيف ستتحرك الفائدة في اجتماعات مارس 2025؟

وباستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة، التي تميل إلى أن تكون أكثر تقلباً، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يراقب من كثب بنسبة 0.3 في المئة للشهر و2.6 في المئة عن الفترة نفسها من العام السابق، متباطئاً من 2.9 في المئة خلال ديسمبر الماضي.

وأدت كلفة الغذاء، خصوصاً البيض، والطاقة إلى ارتفاع قراءات مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين لشهر يناير. وكانت توقعات الاقتصاديين تشير إلى ارتفاع معدل نفقات الاستهلاك الشخصي 0.3 في المئة مقارنة بشهر ديسمبر، لكن المعدل السنوي سيتباطأ إلى 2.5 في المئة من 2.6 في المئة المعلن عنها في البداية، وفقاً لتقديرات “فاكت ست”.

وقال بوفينو، “الخبر السار من هذا التقرير هو أن التضخم لم يكن أكثر سخونة مما كنا نتوقعه، ويبدو كما توقعته الأسواق… لا نعتقد أن القراءة الأكثر برودة ستغير مسار بنك الاحتياطي الفيدرالي، بالنظر إلى كثير من عدم اليقين في شأن سياسات البيت الأبيض التضخمية”، لكنه يقلل من خطر إجراء تخفيضات أقل.

وتضع قراءة الجمعة التضخم على مسافة قريبة من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة، وتشير إلى أن بعض الاتجاهات الانكماشية لا تزال قائمة. وأشار بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه إلى أن الأمر قد يستغرق حتى عام 2027 حتى تستقر وتيرة ارتفاع الأسعار عند مستوى اثنين في المئة.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة عندما يجتمع صناع السياسة في مارس. ونظراً إلى قراءة التضخم الأخيرة، يتوقع بوفينو أن التخفيض التالي قد يأتي في فصل الصيف.

وفي تصريحات صحافية، دقت السيناتور إليزابيث وارين، وهي ديمقراطية من ولاية ماساتشوستس، ناقوس الخطر في شأن التداعيات السلبية المحتملة إذا لم يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، وقالت “مع العلامات التحذيرية الوامضة، تبديد مكاسب العمالة، وتراجع الاستثمار، وتراجع ثقة المستهلك، تظهر بيانات التضخم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لديه نافذة صغيرة للتحرك لخفض أسعار الفائدة”، وصنفت سياسات إدارة ترمب على أنها تخلق “اقتصاد الفوضى”.

وكتبت “في اجتماعه الشهر المقبل، يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض أسعار الفائدة بصورة متواضعة لتوفير احتياطي للاستجابة لحال عدم اليقين في المستقبل”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتظل الأسعار مرتفعة، ولا تزال التأثيرات التراكمية الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة تلقي بثقلها على الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين ليس لديهم مجال كبير للمناورة في موازناتهم الشهرية. بدءاً من ديسمبر 2024، كانت الأسعار أعلى بنسبة 10 في المئة من اتجاهها قبل الوباء، وفقاً للبيانات الجديدة الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس.

إشارات ناعمة حول الاقتصاد

ويأتي التراجع في الإنفاق في وقت يتزايد فيه تشاؤم المستهلكين الأميركيين بسبب المخاوف من ارتفاع التضخم بعد حديث الرئيس دونالد ترمب عن تعريفات واسعة النطاق، وفقاً لاستطلاعات مختلفة. وطرح ترمب تعريفات متبادلة على شركاء أميركا التجاريين ورسوماً بنسبة 25 في المئة على المكسيك وكندا إضافة إلى رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 في المئة على البضائع الصينية.

وأظهر مسح المستهلكين الذي أجرته جامعة ميشيغان في فبراير (شباط) الماضي، أن توقعات التضخم على المدى الطويل ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ ما يقارب ثلاثة عقود. وتشير البيانات، إلى تحولات في مشتريات المستهلكين والشركات، ومن المحتمل أن تكون مرتبطة بعدم اليقين في شأن التعريفات الجمركية.

وأعرب مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي في خطاباتهم الأخيرة عن أنه من المهم أن يظل الناس على ثقة بأن التضخم سيعود في النهاية إلى طبيعته على المدى الطويل. وفي حين تضخمت حال عدم اليقين جزئياً بسبب تحركات سياسة الصدمة والرعب التي اتخذتها إدارة ترمب، يبقى ظهور كيف يمكن أن تؤثر إجراءات مثل التعريفات الباهظة والواسعة النطاق، والترحيل الجماعي، وتقلص القوى العاملة الفيدرالية على الاقتصاد الأوسع.

وأشار بيل آدامز من شركة “كوميرسا”، إلى أن انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والقفزة في العجز التجاري يمكن أن تؤثر في نهاية المطاف على نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول.

وكتب في تعليقه “السؤال هو إلى أي مدى تكون هذه الأحداث لمرة واحدة… من المرجح أن يكون نمو الواردات قوياً في فبراير أيضاً، إذ تتسابق الشركات للمضي قدماً في اتخاذ القرارات في شأن زيادة التعريفات الجمركية… لكن انخفاض الإنفاق الاستهلاكي في يناير، قد يكون عائقاً موقتاً على الناتج المحلي الإجمالي”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية