لم يتبقَّ لليمنيين من نافذة للفرح سوى كرة القدم وملاعبها بحثاً عن متنفس ينسيهم المآلات الصعبة التي خلفها الصراع الدائر منذ 10 أعوام وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي زادت وطأتها أخيراً.

وفي محافظة حضرموت (شرق البلاد) المعروفة بفلكلورها الشعبي الغني وعشقها الجماهيري لكرة القدم، تشكلت لوحة إبداعية في مدرجات ملعب سيئون الأولمبي الذي امتلأ بالجماهير المتوافدة من مختلف مديريات الساحل والوادي لمشاهدة نهائي كأس المحافظة بين فريقي البرق من تريم والمكلا.

ولعل اللافت في الصور غير المألوفة في ظروف كالتي يمر بها اليمن أن تلك الجماهير صنعت من مناسبة رياضية محلية صغيرة حدثاً ضخماً اتسع لكل هذا الإبهار الذي تناقلته وسائل الإعلام على نحو واسع، خصوصاً في ظل حضور جماهيري كبير تجاوز الـ45 ألف مشجع، وفقاً للسلطة المحلية.

وانتهت المباراة النهائية التي جمعت فريقي البرق من تريم بفريق المكلا، بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، ليتمكن فريق البرق من إحراز كأس البطولة بعد انتصاره بركلات الترجيح.

وشهدت المباراة حضور شخصيات قيادية أبرزها محافظ حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي، ووكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء عامر سعيد العامري، إلى جانب عدد من القيادات الرياضية والتنفيذية.

وشارك في البطولة التي ترعاها وتمولها السلطة المحلية 44 نادياً على مستوى المحافظة، وقُسمت الأندية إلى ثماني مجموعات، تنافست في ما بينها في الدور الأول بطريقة المجموعات، وتأهل فريقان من كل مجموعة، ولعبت منذ دور الـ16 بطريقة الذهاب والإياب، بمشاركة ثمانية أندية من الساحل، ومثلها من الوادي.

شغف كروي وذكريات

هذا الإقبال الذي احتضنته المدرجات الأسمنتية في استاد سيئون الأولمبي الذي مر على وضع حجره الأساس نحو 30 عاماً من دون أن تكتمل مرافقه، يذكّر بحضور مماثل شهده قبل أسابيع ملعب الحبيشي في العاصمة الموقتة عدن خلال نهائي بطولة كأس المدينة الساحلية، فاق السعة الإجمالية لمدرجاته، مما دفع آلاف المشجعين إلى اعتلاء الأسوار والمباني المجاورة وأظهر إقبالاً جماهيرياً ضخماً بدأ قبل اللقاء الكروي بساعات.

ويرى متابعون أن الإقبال الجماهيري الكبير ترجم توق اليمنيين مثل بقية شعوب المنطقة إلى فرص الحياة والتنمية، في حين يمضي المشروع المقابل في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي نحو تطييف المجتمع وحرمانه من حقوقه وتكريس ثقافة العنف تحت شعار “صرخات الموت” التي تستحث الفتية والأطفال والمراهقين للالتحاق بجبهات الموت، تنفيذاً للمشروع الإيراني في المنطقة.

 

وتناقل رواد مواقع التواصل “الصور المبهرة” من ملعب سيئون ولفتت إعجاب المتابعين الذين تشاركوها مع عبارات الإعجاب، متناسين ويلات الوضع الاقتصادي المنهار الذي تمر به البلاد، في حين اعتبرها بعضهم رسالة سلام من مدرجات الملاعب بأن الرياضة لغة السلام الباقية للشعوب، وعُدّت كذلك رسالة تترجم ترقب الجمهور لعودة النشاط الرياضي المتوقف منذ أكثر من سبعة أعوام.

ويرى المواطن صبر الحداد أن “الشغف الرياضي في حضرموت يتحدى الظروف القاسية والأزمات المستمرة ويبقى الشارع الحضرمي مصدراً للأمل والسعادة”.

وقال مواطن آخر يدعى أحمد العطاس إن “جمهور حضرموت هو ملح الرياضة اليمنية الذي لا يكتمل جمالها إلا بوجودهم”.

استاد لم يكتمل

وعلى رغم عدم جاهزية استاد سيئون الكاملة، إلا أن الشغف الرياضي أشعل شمعة في وعود الحكومات المتعاقبة لاستكمال ملحقاته المعطلة. والمشروع الذي بدأ العمل فيه عام 2002، ويُعدّ أحد المشاريع الرياضية الضخمة في محافظة حضرموت، تم التوقف عن العمل فيه بعد إنجاز نحو 70 في المئة من المرحلة الأولى له، وشملت أعمال الهياكل الخرسانية والصرف الصحي وأرضية الملعب وواجهات المباني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتسع الاستاد لـ 60 ألف متفرج، وهو مجهز بمضمار سباق أولمبي وملحقات متعددة الاستخدام بمواصفات دولية، وتُقدر كلفته الإجمالية بنحو 302 مليون ريال (نحو مليون و200 ألف دولار) عند بدايته ويقع على مساحة 35000 متر مربع.

الميليشيات في الملاعب

وأدّت الحرب الدائرة التي يشهدها اليمن منذ 10 أعوام إلى إلحاق أضرار بالغة بقطاع الرياضة والشباب على صعيد الملاعب والمنشآت، إذ تستخدم الميليشيات الحوثية وتنظيم “القاعدة” الملاعب والصالات الرياضية المغطاة كثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة، مما تسبب بإلحاق أضرار بالغة بتلك المنشآت، وخسر اليمن أفضل الملاعب التي أنشأتها الدولة قبيل استضافة البلاد بطولة كأس الخليج العربي في نسختها الـ20 عام 2010 للمرة الأولى في تاريخها وكانت تمثل فرصة حقيقية لتطوير القطاع الرياضي في البلاد.

وتسبب هذا الوضع بتوقف شبه تام للأنشطة الرياضية الرسمية كافة ومن بينها مسابقة دوري كرم القدم للدرجة الأولى عدا من مسابقتين في حين استمر دوري أندية الدرجة الثالثة والدورات التدريبية لمدربي وحكام كرة القدم، مع مساعٍ حثيثة لاتحاد كرة القدم اليمني للفصل بين العمل السياسي والنشاط الكروي ونجاحه على رغم الظروف الصعبة بالاستمرار في المشاركات الخارجية.

 

إلا أن تدخلات ذات طابع سياسي وتحريضي من سلطات الأمر الواقع، سواء في صنعاء ممثلةً بالميليشيات الحوثية، أو بعض القوى السياسية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، تسببت بمنع كثير من الأنشطة الكروية.

وألقت هذه التدخلات عبئاً كبيراً على المنتخبات الوطنية، إذ يُضطر اتحاد الكرة إلى نقل المعسكرات التدريبية والمباريات الرسمية إلى خارج البلاد، مما ضاعف من معاناته المالية في ظل توقف الدعم الرسمي للرياضة وانشغال القوى السياسية بالصراع السياسي المحتدم.

منع بالقوة

ولعل آخر صور السجال السياسي الذي أصاب الرياضة بعدواه، الحادثة الأولى من نوعها التي شهدتها العاصمة الموقتة عدن في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وتمثلت في إيقاف قوة عسكرية كبيرة لحافلتي فريقي الوحدة والشعلة وهما في طريقهما إلى ملعب الحبيشي التاريخي لإقامة مباراة بينهما في دوري عدن التنشيطي.

ويومها ذكر مصدر في وزارة الشباب والرياضة لـ”اندبندنت عربية” أن قوات أمنية موالية للمجلس الانتقالي الذي يحكم قبضته على المدينة، احتجزت لاعبي فريق وحدة عدن في نقطة الجسر تقاطع “كالتكس” بمديرية المنصورة، تزامناً مع إيقاف حافلة تقل لاعبي نادي الشعلة في تقاطع “كابوتا”، خلال توجه الفريقين المصنفين في الدرجة الأولى إلى ملعب الحبيشي داخل منطقة “كريتر” والمكتظ بالجماهير الرياضية التي ظلت تنتظر بدء المباراة بين أعرق أندية المدينة الساحلية.

 

وكانت وسائل إعلام محلية اتهمت رئيس “أهلي عدن” بالوقوف خلف الواقعة، احتجاجاً على خسارة فريقه في المباراة السابقة ضد نادي شمسان، خصوصاً أن القوة العسكرية المكونة من 16 عربة مدججة بالأسلحة اقتادت حافلة فريق نادي الوحدة إلى “ملعب العلواني” التابع لنادي أهلي عدن، إذ كان قدم تظلماً إلى اللجنة المنظمة لدوري كأس عدن ولم تبتّ طلبه وتجاهلته، مما دفعه إلى تحريك قوة أمنية وحجز حافلات لاعبي الفريقين.

ويُعدّ ملعب الشهيد الحبيشي التاريخي بعدن الذي كان يسمى “الملعب البلدي”، من أقدم الملاعب في اليمن والوطن العربي، إذ شُيد عام 1905 وارتبط وجدانياً وتاريخياً بالذاكرة الجنوبية وظل المستطيل المشرق للكرة العدنية لما يمثل من أهمية وجدانية وتاريخية بالنسبة إلى اللاعبين ومشجعي كرة القدم اليمنية وأنديتها في جميع محافظات الوطن، حيث ظل لأعوام طويلة مصنعاً للنجوم وذاكرة للكرة العدنية، وعرف أبناء المدينة من خلاله معنى كرة القدم وإثارتها ومنافساتها وفرقها ومنتخباتها وأنجب أفضل نجوم الكرة الوطنية اليمنية الذين لا يزال صداهم يلمع حتى يومنا هذا.

وسُمي الملعب تخليداً لذكرى اللاعب محمد علي الحبيشي نجم فريق الأحرار الرياضي ومنتخب عدن الكروي الذي قُتل في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 1964 وهو يقاتل مع ثوار اليمن ضد الاحتلال الإنجليزي.

نقلاً عن : اندبندنت عربية