تستعد وزيرة العدل البريطانية شابانا محمود لإعلان تعديلات تشريعية تستهدف تخفيف الأحكام التي تصدرها المحاكم لتقليل عدد المسجونين بنحو 6 آلاف بحلول عام 2027. ومع أن الوزيرة لن تعلن التغييرات إلا بعد الانتهاء من مراجعة لتشريعات إصدار الأحكام يقودها وزير العدل السابق ديفيد غوك، لكن صحيفة “تايمز” نقلت عن مصادر في وزارة العدل أن هدف التعديلات سيكون خفض أعداد المسجونين من خلال تقليل الأحكام ومددها، لتخفيف أعباء الموازنة.

استبقت مؤسسة يمينية هي “بوليسي اكستشنج” (بورصة السياسات) إعلان نتائج المراجعة التشريعية ومقترحات التعديلات التي ستعلنها وزيرة العدل بإصدار تقرير صادم حول مشكلة الجريمة في بريطانيا وكلفتها على الاقتصاد.

وخلصت أبحاث المؤسسة إلى أن الجريمة تكلف الاقتصاد البريطاني سنوياً ما يصل إلى ربع تريليون جنيه استرليني (250 مليار) (321 مليار دولار)، ويمثل هذا المبلغ نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني.

يشمل ذلك الكلفة المباشرة للجرائم وأيضاً ما تنفقه الأعمال والأفراد في مواجهة المخاوف من الجريمة ومحاولة الحماية منها نتيجة ارتفاع معدلاتها في المجتمع، أما الكلفة المباشرة للجرائم فتصل إلى 170 مليار جنيه استرليني (218 مليار دولار)، تشكل نسبة 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتتضمن تلك الكلفة المباشرة 38 مليار جنيه استرليني (49 مليار دولار) من الأضرار للشركات والأعمال ونحو 31 مليار جنيه استرليني (40 مليار دولار) من الأضرار للقطاع العام و63 مليار جنيه استرليني (81 مليار دولار) من الأضرار للأسر والأفراد.

زيادة معدلات الجريمة

استندت دراسة مركز الأبحاث على بيانات وسجلات الجرائم لدى وزارة الداخلية، وبحسب تلك البيانات ارتفعت جرائم السرقة من المحال بنسبة 51 في المئة منذ عام 2015 لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال 20 عاماً، وفي الفترة ذاتها زادت جرائم السرقة بنسبة 64 في المئة، وزادت جرائم السلاح الأبيض بنسبة 89 في المئة. وخلال العام الماضي وحده تشير سجلات الشرطة إلى زيادة معدلات الجريمة بنسبة 12 في المئة، وارتفعت الاعتداءات على النظام العام بنسبة 192 في المئة، وزادت كلفة جرائم التزوير والنصب بنحو ثمانية أضعاف منذ عام 2006 حتى الآن.

يرجع ذلك إلى ما وصفته الدراسة بـ”النهج المتساهل” تجاه الجرائم في المجتمع الذي شجع على زيادة معدلاتها، ومن ملامح هذا النهج انخفاض أعداد الشرطة وتراكم القضايا أمام المحاكم من دون البت فيها وقلة توجيه الاتهامات وانخفاض مدد الحكم من قبل المحاكم، ونتيجة ازدحام السجون الحالية يتفادى المجرمون صدور أحكام بالسجن ضدهم أو الإفراج عن المسجونين بصورة مبكرة قبل انتهاء مدة العقوبة.

وبحسب تقرير المؤسسة البحثية فإن نسبة عدد أفراد الشرطة للسكان انخفضت بنحو 10 في المئة عما كانت عليه عام 2010. وخلال سبتمبر (أيلول) 2024 كان عدد القضايا المتأخرة أمام المحاكم 73 ألفاً و105 قضايا، نحو نصفها مؤجل منذ أكثر من ستة أشهر.

وتطالب الدراسة بتوازن السياسات الحكومية والعودة إلى “التوجه نحو مصالح الغالبية التي تحترم القانون”، وطرحت عدة توصيات في هذا الشأن تساعد على الحد من ارتفاع معدلات الجريمة بالصورة الحالية، ومن بين تلك التوصيات توفير مزيد من سعة السجون لتفادي النهج المتساهل تجاه الجريمة ومرتكبيها.

وقدرت المؤسسة أن هناك حاجة لإضافة ما يصل إلى 53 ألف موضع في السجون على مدى الأعوام الـ10 المقبلة، وهو ما يرفع طاقة السجون البريطانية لاستيعاب 130 ألف نزيل، والرقم المقترح تقريباً أربعة أضعاف ما وعدت به الحكومة بزيادة الطاقة الاستيعابية بنحو 14 ألف نزيل بحلول عام 2031.

تمويل وتشديد الأحكام

يحتاج مقترح المؤسسة تمويلاً يشمل استثمار 5 مليارات جنيه استرليني (6.5 مليار دولار) سنوياً في نظام القضاء الجنائي كله، يوجه نصف هذا المبلغ لزيادة الطاقة الاستيعابية للسجون البريطانية، إضافة إلى 1.9 مليار جنيه استرليني (2.5 مليار دولار) لزيادة أعداد الشرطة البريطانية، ونصف مليار (500 مليون) جنيه استرليني (642 مليون دولار) على المحاكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطلب التقرير كذلك زيادة وتشديد الأحكام القضائية بحق المجرمين المدانين، وبخاصة في الجرائم الخطرة والتوقف عما وصفه الأحكام “المتساهلة بصورة تثير السخرية” التي تصدر بحق المجرمين. وطالبت المؤسسة البحثية الحكومة بسن قانون يجعل القضاة في المحاكم يصدرون أحكاماً بحق المجرمين الدائمين – أي المدانين بأكثر من 45 جريمة – بما لا يقل عن السجن عامين.

بالطبع تتعارض تلك التوصيات للحد من الجريمة مع سياسات الحكومة المتوقعة التي تستهدف مزيداً من تخفيف الأحكام بحق المجرمين، أو حتى الاستعاضة عن أحكام السجن بعقوبات أخرى أخف، لتفادي اكتظاظ السجون وتقليل الكلفة على موازنة وزارة العدل.

وحظي تقرير المؤسسة بتأييد وزير الداخلية ووزير الخزانة السابق ساجد جافيد وكبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أندى هالدين. ونقلت صحيفة “تايمز” عن جافيد قوله “يعمل المجرمون على تدمير الروابط التي تجعل مجتمعنا متماسكاً. وتدمر أفعالهم الثقة في الآخرين والمؤسسات والحكومة، ولا يمكن استمرار وضع يشعر فيه الناس بأنهم إذا بلغوا عن جريمة لن تهتم الشرطة بالملاحقة ولن يمثل الجناة أمام القضاء”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية