اتسعت بصورة مطردة دائرة الرفض والتحفظ الإقليمي والدولي على تشكيل حكومة موازية بالسودان، على ضوء الميثاق السياسي لـ”تحالف السودان التأسيسي” الذي جرى توقيعه من جانب قوات “الدعم السريع” وحلفائها تمهيداً لتشكيل الحكومة من داخل السودان أو خارجه، فكيف تؤثر تلك المواقف في مصير هذه الحكومة؟ وهل تؤدي تلك المواقف المنطلقة من مخاوف جدية حيال انقسام السودان سياسياً وجغرافياً إلى إجهاضها قبل أن تولد لقطع الطريق على حصولها على أي اعتراف؟
الدستور التمهيدي
استكمالاً للميثاق السياسي وفي خطوة أكثر تقدماً باتجاه تشكيل الحكومة الموازية، وقعت أطراف ميثاق تحالف السودان التأسيسي قبل يومين (الثلاثاء الرابع من مارس / آذار الجاري) على دستور انتقالي جديد للسودان يلغي الوثيقة الدستورية للعام 2019.
ينص الدستور على أن “السودان دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية”، ويؤكد على المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات.
ووصف مستشار قائد “الدعم السريع” الباشا طبيق التوقيع على الدستور بأنه “الخطوة الإجرائية التأسيسية الأولى بعد الميثاق السياسي، التي تشكل ميلاداً جديداً للدولة السودانية الجديدة، والحكومة الموازية التي أطلق عليها اسم حكومة السلام”.
طبيق أشار في تغريدة على حسابه بمنصة (إكس) إلى أن “التوقيع جرى بعد مشاورات ونقاشات جادة بحضور الفريق عبدالرحيم دقلو، قائد ثاني قوات الدعم السريع، والفريق عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال”.
رفض وترحيب
في المقابل أعلن وزير خارجية السودان علي يوسف الشريف خلال اجتماع مع نظيره المصري بدر عبدالعاطي رفض الخرطوم لأي اعتراف دولي بالحكومة الموازية، معرباً عن تقدير بلاده للدور المصري “الداعم للسودان والسودانيين”.
وعبرت الخارجية السودانية عن تقديرها “للمواقف الدولية المتتالية الرافضة لتهديد سيادة السودان ووحدته والشرعية الوطنية القائمة فيه، عبر محاولة إقامة سلطة باسم ميليشيات الجنجويد وتابعيها، انطلاقاً من كينيا، وبإشراف الراعية الإقليمية للميليشيات”.
ثمن البيان “المواقف المبدئية القوية التي عبرت عنها كل من جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت، والدول الأفريقية الأعضاء بمجلس الأمن (الجزائر والصومال وسيراليون)، ومواقف الدول الأخرى الأعضاء بالمجلس (روسيا والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وغيانا)، فضلاً عن البيان الصادر من تركيا”. وأضاف أن “هذه المواقف الواضحة تؤكد أن مسلك الرئاسة الكينية غير المسؤول، باحتضان ميليشيات الإبادة الجماعية وسعيها إلى شرعنة جرائمها غير المسبوقة، معزول خارجياً وداخلياً، ووضعت كينيا في خانة الدولة المارقة على الأعراف الدولية”.
وجدد البيان “الدعوة للمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، بخاصة الاتحاد الأفريقي، إلى إدانة هذا التهديد الخطر للسلم والأمن الإقليمي والعبث بقواعد النظام الدولي الراسخة”.
تواتر المواقف
في سياق المواقف المتواترة عبرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء توقيع قوات “الدعم السريع” وقوى سياسية وحركات مسلحة على دستور انتقالي للسودان في العاصمة الكينية نيروبي.
وقال مكتب الشؤون الأفريقية بالخارجية الأميركية، عبر حسابه على منصة (إكس)، إن “تكوين حكومة موازية في السودان من شأنه التهديد بمزيد من عدم الاستقرار في السودان والتقسيم الفعلي للبلاد”.
كما أعربت الأمانة التنفيذية لمؤتمر دول البحيرات العظمى عن قلقها العميق إزاء توقيع ميثاق سياسي ينشئ سلطة حاكمة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “الدعم السريع” بالسودان، معتبرة أن ذلك يشكل تطوراً خطراً يتحدى سيادة السودان ويهدد سلامة ووحدة أراضيه وقد يعوق الجهود الإقليمية والدولية الجارية نحو السلام والحوار.
وتباعاً أعلن الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، لدى لقائه نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، الذي يزور أوغندا منذ أمس الأربعاء، عن رفض بلاده قيام حكومة موازية في السودان، داعياً إلى ضرورة العودة للحوار من أجل التوصل إلى حل ينهي الحرب الدائرة في البلاد.
اتهامات وتطمينات
في السياق اعتبر نصر الدين إدريس، أمين أمانة التنظيم والإدارة بتحالف القوى المدنية المتحدة (قمم) المحسوب كجناح سياسي لقوات “الدعم السريع”، أن “التحفظات والرفض الذي أبدته بعض الدول للحكومة (الموازية) قبل تشكيلها بأنه أمر طبيعي، لكن سيختلف الأمر بعد اكتمال تشكيل الحكومة ومباشرة مهماتها، بخاصة ملف العلاقات الإقليمية والدولية الذي سيجري التواصل من خلاله مع دول الإقليم والدول الشقيقة حول حقيقة الأزمة السودانية”.
إدريس أوضح أن “مجرد إبداء القلق والخوف من بعض الدول الشقيقة أمر متفهم في إطاره الواقعي، لكنه ليس كافياً، إذ بالنظر العميق إلى مواقف وتحفظات بعض تلك الدول نجدها بالأساس لا تتعاطى مع الأزمة السودانية بحيادية، بل تدعم طرف معيناً لذلك يجب أن يفهم موقفها في هذا الإطار”.
ونفى المسؤول في “قمم” أن يكون هناك اتجاه لتقسيم السودان، مؤكداً أن “القناعة الراسخة هي أن ‘حكومة السلام’ المرتقبة تعتبر خطوة ضرورية لإنهاء هذه الحرب اللعينة التي قسمت المجتمع السوداني نتيجة للسياسات الخاطئة لمجموعة بورتسودان”.
أما في شأن الخطوات المقبلة، فأوضح إدريس أنها “تتعلق بتشكيل الهياكل التنفيذية والتشريعية والسيادية للحكومة لتعبر عن التنوع السوداني الذي جسدته قائمة الأطراف الموقعة على الميثاق السياسي وإعداد أهم مشروع واقعي للحكومة هو وقف الحرب وتقديم الخدمات الأساسية الضرورية من صحة وتعليم وغيرها، ثم التواصل مع المجتمعين الإقليمي والدولي ومخاطبة السودانيين بالداخل والخارج بخصوص قضايا وقف الحرب والسلام وآليات تحقيقه”.
استطلاع ونتائج
على الصعيد نفسه كشف استطلاع للرأي حول فرص تشكيل حكومة موازية في السودان، أجراه مركز الخبراء العرب للصحافة ودراسات الرأي العام، عن معارضة ورفض 98.2 في المئة من المشاركين لفكرة تشكيل حكومة موازية في السودان من حيث المبدأ.
وأشار الاستطلاع إلى أن نسبة 43.7 في المئة من المشاركين يرون أن الحكومة الموازية مجرد تكتيك سياسي وليست خياراً استراتيجياً، بينما يرى 36.7 في المئة منهم أنها خيار استراتيجي بعد فشل “الدعم السريع” في السيطرة على البلاد.
وفق الاستطلاع يخشى 70 في المئة من المشاركين من أن يؤدي تشكيل حكومة موازية إلى تقسيم السودان، بينما لا يرى 25 في المئة فيها خطراً على وحدة البلاد.
العبرة بالأداء
على نحو متصل أكد عضو المجلس الاستشاري لقائد قوات “الدعم السريع” إبراهيم مخير أن “الحكومة القادمة بقوة بعد توقيع ميثاق التأسيس يساندها نحو 40 مليون سوداني وستثبت بأدائها للجميع أنها قادرة على تحقيق كل ما تعد به”، وتابع “بعدها سيغير ذلك الأمر مواقف بعض الحكومات التي تقف مترددة اليوم، إذ سيفضح دور الإسلاميين وابتزازهم للمجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية خصوصاً باسم الدين بغرض تركيع العالم وتمرير أجندتهم بعد نشر الرعب والموت كما حدث في أفغانستان، وسيكشف الكذب والدجل الفاضح حول انتصاراتهم المزعومة في الخرطوم وغيرها”.
كما أشار مخير إلى أن “أهم ما ستقوم به الحكومة المرتقبة هو وضع ملف السودان أمام السياسيين السودانيين الصادقين للبت في أمره بعدما لم يتحقق النجاح المطلوب والاستجابة اللازمة على يد العسكريين على رغم النوايا الحسنة والجهود التي بذلتها قوات الدعم السريع لكن أعاقها قائد الجيش ومساندوه من الإسلاميين”.
مخاوف جدية
في السياق يرى أستاذ العلاقات الدولية محسن عبدالرحيم حسين أن “المضي قدماً من الأطراف الموقعة على ميثاق تحالف السودان التأسيسي في تشكيل حكومتهم في ظل الرفض الدولي والإقليمي، قد يؤدي إلى عزلة الأطراف نفسها، ويفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية، ما لم تنشأ مبادرات جديدة لعودة الأطراف لطاولة الحوار لحل الأزمة بالتفاوض بعيداً من طموحات الحسم العسكري”.
حسين لفت إلى أن “المواقف الدولية والإقليمية سواء المتحفظة أو الرافضة لتشكيل حكومة ثانية (موازية) للسلطة الحالية الموجودة في السودان، تعكس مخاوف جدية قد تتسبب في تفككها وتودي بوحدة ترابها، بعد أن صدعت الحرب الدائرة قواها السياسية وخلخلت أركان مجتمعها ولم تعد تحتمل ضربة أخرى”.
وتابع أن “مواقف دول مثل السعودية ومصر والصين وقطر وروسيا، إضافة إلى تصريحات الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تمثل بوادر وإشارات كبيرة إلى عدم استعداد المجتمع الإقليمي لا سيما العربي، بجانب الدولي والأممي، للاعتراف بتلك الحكومة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً”.
كذلك رجح الأكاديمي أن “يؤدي الإصرار على قيام الحكومة الموازية إلى تعميق الانقسام السياسي والعسكري، وتغذية مسارات تفكيك الدولة، فضلاً عن أن المواقف الدولية والإقليمية المعلنة تجاهها ستضع الأطراف الداعمة لقيامها أمام تحد كبير في الحصول على اعتراف دولي وإقليمي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نداء “صمود”
إلى ذلك أطلق التحالف المدني الديمقراطي الثوري (صمود) المناهض للحرب بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك مبادرة “نداء سلام السودان”، لإنهاء الحرب عبر عقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الأفريقي بمشاركة قادة الأطراف المتحاربة، بمن فيهم قائدا الجيش عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، بمشاركة قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان عبدالواحد نور.
تضمن النداء الاتفاق على آليات مراقبة فعالة لوقف إطلاق النار، بما فيها نشر بعثة سلام إقليمية ودولية، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر حدود السودان وداخل المناطق المتأثرة مع ضمان حرية الحركة للمدنيين في أرجاء السودان كافة.
كما ناشد “صمود” الأطراف الإقليمية والدولية كافة بالامتناع عن أي فعل يطيل أمد النزاع، بما في ذلك فرض حظر شامل على توريد السلاح لكل أطراف النزاع، وضمان تجفيف موارد تمويل الحرب.
ودعا النداء إلى “إطلاق حوار وطني يخاطب جذور الأزمة ويرسي سلاماً شاملاً ومستداماً وعملية سلمية متبوعة بترتيبات دستورية انتقالية تنهض على توافق عريض واستعادة مسار ثورة ديسمبر في الانتقال المدني الديمقراطي، وإعادة بناء وتأسيس منظومة أمنية وعسكرية موحدة ومهنية وقومية، بعيدة من السياسة والاقتصاد”.
صراع الشرعية
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي استضافت العاصمة الكينية نيروبي اجتماعات لقوى سياسية سودانية وقيادات من قوات “الدعم السريع”، جرى خلالها التوقيع على ميثاق سياسي تأسيسي يمهد الطريق لتشكيل حكومة بمناطق سيطرة “الدعم السريع”.
ووقع على الميثاق بجانب قوات “الدعم السريع”، أكثر من 20 حزباً وحركة مسلحة ومنظمة مجتمع مدني، على رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان – قيادة عبدالعزيز الحلو، فضلاً عن تحالف الجبهة الثورية التي يقودها عضو مجلس السيادة السابق الهادي إدريس.
ويحتدم في الآونة الأخيرة الصراع السياسي حول شرعية السلطة، فيما لا تزال الحرب الدامية مستمرة بين الجيش و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، وسط تقدم ميداني كبير للجيش والقوات المساندة له خلال الأسابيع الماضية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية