يترقب العراقيون صيفاً ساخناً في ظل المعطيات التي فرضتها الإدارة الأميركية على السلطات العراقية في بغداد، إذ ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك ضمن حزمة العقوبات الجديدة على طهران.
والسبت الماضي دخل هذا الإجراء حيز التنفيذ، حيث يعتمد العراق منذ سنوات طويلة على استيراد الكهرباء والغاز من طهران، وخاصة في ذروة فصل الصيف، ويعتمد بذلك على الإعفاءات الأميركية المستمرة، والتي تصدر أكثر من مرة خلال كل عام.

ويحاول العراق إيجاد بدائل عن الغاز الإيراني، حيث وقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، اتفاقاً مع تركمانستان لاستيراد الغاز بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب يومياً، عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل، لكن لم يبدأ العمل به حتى هذه اللحظة بسبب مشاكل فنية، وفقاً لوزارة الكهرباء.

بحث خطة تجهيز الطاقة الكهربائية

وفي ظل هذه التطورات التي لاقت صدى واسعاً سياسياً وشعبياً لما تشكله الكهرباء من معاناة مستمرة للعراقيين منذ سنوات طويلة، لا سيما في أوقات الصيف التي تصل درجة حرارته في أوقات الذروة إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وفي إطار التحديات التي تشهدها حكومة بغداد، ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الأحد، الاجتماع الدوري الخاص بمتابعة تنفيذ مشاريع القطاع النفطي، والوقوف على الخطة المعدة لتأمين الطاقة الكهربائية للصيف المقبل.

واستعرض وزير الكهرباء مفردات خطة الوزارة لتأمين الطاقة الكهربائية في الصيف المقبل، وكذلك الخطة المعدة لعمل محطات الوقود. فيما استعرض وزير النفط خطة الوزارة لتزويد محطات الكهرباء بالوقود، والكميات المتفق عليها، ومناقشة المنصات العائمة والمتحركة، وما قدمته الشركات من عطاءات بهذا الشأن.

وقد تقرر في هذا الصدد المباشرة بإكمال الخط الناقل للغاز من محطات توليد الطاقة في البصرة إلى المنصة المتحركة، وتوقيع العقود المقدمة من الشركات للعمل على إكمال المنصة بأسرع وقت ممكن، وجرى أيضاً بحث كمية زيت الغاز المطلوبة للمحطات، والكلف المالية والمخازن وكل ما يرتبط بعملية استيراد الوقود.

كما تقرر خلال الاجتماع مد أنبوب غاز جديد لنقل الغاز من قضاء المحمودية إلى مدينة بسماية بطول 40 كم، لإيصال الغاز، من أجل أن تعمل محطة بسماية خلال الصيف بكامل قدرتها.

لا بدائل للغاز الإيراني

في المقابل، أكد رئيس لجنة الكهرباء النيابية، محمد عبد ربه، عدم وجود بدائل للغاز الإيراني، مبيناً أن العراق مقبل على صيف “أسوأ”، في إشارة إلى نقص ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية. وقال عبد ربه، في تصريح صحافي، إن “الحكومة الحالية، شأنها شأن الحكومات السابقة، لم تتخذ أي خطوات جدية لإيجاد بدائل عن الغاز الإيراني”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، أن “العالم لا يعتمد فقط على الغاز الإيراني بل يستورد الغاز من دول أخرى مثل روسيا وقطر وتركمانستان وغيرها، وكان يفترض بالحكومة التخطيط لإيجاد بدائل منذ سنوات، بدلاً من رهن مستقبل الشعب والبلاد باتجاه واحد، الأمر الذي يضع العراق أمام نتائج سلبية خطيرة”. ونبّه في تصريحه إلى أن “أزمة توقف إمدادات الغاز الإيراني ستتكرر مجدداً مع دخول فصل الصيف”، مشدداً أن “العراق مقبل على موسم صيفي سيكون من سيء إلى أسوأ”.

يشار إلى أن عضو لجنة النفط والغاز النيابية، علي سعدون اللامي، أكد في وقت سابق، أن العراق لا يمتلك بدائل في الوقت الراهن عن الغاز الإيراني، من أجل استمرار تشغيل المحطات الكهربائية، مبيناً أن اعتماد البلاد على الغاز المحلي يستغرق أكثر من عامين.

ما أضرار انقطاع الغاز الإيراني؟

في حين، كشف نائب رئيس لجنة الكهرباء في البرلمان العراقي، وليد السهلاني، أن انقطاع الغاز الإيراني، سيسبب خسارة 8 آلاف ميغاواط من منظومة الكهرباء في البلاد.

السهلاني نوه إلى أن “العراق يحتاج إلى 1800 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز الإيراني، وانقطاع هذه الكمية من المحطات الغازية سيسبب فقدان 8000 ميغاواط من المنظومة الكهربائية”، كاشفاً عن تحرك من قبل الحكومة العراقية عبر القنوات الدبلوماسية من وزارة الخارجية وغيرها للحصول على استثناء من الولايات المتحدة لإعادة استيراد الغاز الإيراني لتشغيل المحطات الغازية.

وأكمل السهلاني في تصريح صحافي له أن “المشكلة الحقيقية ليست باستيراد الغاز الإيراني، إنما بدفع المستحقات المالية لإيران، ولابد من حل هذه الأزمة لتفادي أزمة فصل الصيف”.

رسالة عراقية

قام رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي عطوان العطواني، بتسليم في وقت سابق الأحد، رسالة إلى حكومة الولايات المتحدة تفيد بأن إيقاف استيراد الغاز من إيران سيتسبب في انهيار منظومة شبكة الكهرباء خلال الصيف المقبل في العراق، جاء ذلك خلال لقائه مع السفير الأميركي لدى العراق دانيال روبنستين والوفد المرافق، بحسب بيان لمكتبه الإعلامي.

في حين أبدى السفير الأميركي تفهمه لما طرحه العطواني خلال الاجتماع في ما يخص ملفي الطاقة والعقوبات المصرفية، ووعد بنقل هذه الرسائل لحكومة بلاده على أمل إيجاد المعالجات والحلول الدائمة بما يحقق مصلحة الشعبين، لافتاً إلى أن استيراد الغاز الطبيعي ولغاية الآن هو خارج منظومة العقوبات.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قد صرح أمس الأحد، بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب أنهت الإعفاءات الممنوحة للعراق لشراء الكهرباء من إيران.

ونقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث قوله، إن واشنطن لن تسمح لطهران بأي قدر من الإغاثة الاقتصادية أو المالية. وأضاف المتحدث أن “حملة أقصى الضغوط التي يمارسها الرئيس تهدف إلى إنهاء التهديد النووي الإيراني وتقليص برنامجها للصواريخ الباليستية ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية”.

هشاشة نظام الطاقة العراقي

في حين، ذكر أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، بالنسبة لإمكانية الاعتماد على تركمانستان لتعويض النقص، فإن الاتفاقيات التي وقعها العراق لاستيراد الغاز من تركمانستان يمكن أن تساهم جزئياً في حل المشكلة، لكنها ليست بديلاً كاملاً على المدى القصير.

وأقر السعدي في حديثه لـ “اندبندنت عربية”، أن البنية التحتية لنقل الغاز التركماني إلى العراق ما زالت بحاجة إلى تطوير، كما أن الكميات المتفق عليها حتى الآن لا تغطي إلا جزءاً من الاحتياجات العراقية. إضافة إلى ذلك، العراق يحتاج إلى تنويع مصادره لتجنب الوقوع في أزمة مماثلة مستقبلاً، فالأزمة الحالية تكشف عن هشاشة نظام الطاقة العراقي الذي يعتمد بشكل مفرط على مصدر واحد للغاز المستورد لمواجهة صيف شديد الحرارة مع وجود أزمة كهرباء محتملة، ويجب أن يكون هناك تحرك سريع على عدة مستويات.

وعن تلك التحركات، أكمل السعدي حديثه بالقول: “أولاً، ينبغي على العراق تسريع استثماراته في الغاز المصاحب، حيث يحرق العراق يومياً كميات هائلة من الغاز الطبيعي من دون استغلالها، وهو ما يمثل فرصة ذهبية لتأمين جزء كبير من احتياجاته بدلاً من استيرادها. ثانياً، هناك ضرورة ملحة لتعزيز مشاريع الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية، التي يمكن أن توفر جزءاً من الاستهلاك خلال فترات الذروة. ثالثاً، تحسين كفاءة الشبكة الكهربائية وتقليل الفاقد الفني يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الأزمة، حيث يخسر العراق نسبة كبيرة من الكهرباء المنتجة بسبب ضعف البنية التحتية وسوء التوزيع”.

وتابع، في ظل هذه المعطيات، من الواضح أن أزمة الطاقة في العراق ليست مجرد أزمة موقتة تتعلق بالإعفاءات الأميركية، بل هي انعكاس لغياب استراتيجية واضحة للطاقة.

وعن الحلول، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي، أنه يكمن في تبني سياسة طويلة الأمد تقوم على تنويع مصادر الاستيراد، والاستثمار في الإنتاج المحلي، والتحول إلى الطاقات البديلة. بدون ذلك، سيبقى العراق رهينة للقرارات السياسية الخارجية والتغيرات الجيوسياسية، وهو ما قد يؤدي إلى أزمات متكررة تعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أزمة نظام سياسي

يرى الباحث مجاشع محمد بأن العراق سيتأثر بانقطاع الغاز والكهرباء من إيران، لكن الحكومة العراقية تدرك أنه مع مجيء ترمب، لن تكون هناك إعفاءات للعراق لاستيراد الطاقة من إيران، وخاصة بالنسبة للمحافظات الجنوبية وبالتحديد البصرة التي ترتفع فيها درجات الحرارة والرطوبة إلى مستويات لا تحتمل.

وشدد في حديثه لـ “اندبندنت عربية”، على أن الحكومة العراقية الحالية غير مسؤولة عن فشل القطاع النفطي والكهربائي في توفير الطاقة للمواطن، لأن الكهرباء في العراق هي أزمة نظام سياسي وفشل للمسؤولين على قطاع الطاقة منذ 2003، لذلك لا حول ولا قوة لرئيس الوزراء إلا بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية ومساعدة الدول الخليجية في توفير الكهرباء عبر الربط الكهربائي مع السعودية والكويت، والغاز من خلال المنصات العائمة السريعة في الموانئ العراقية.

ويعتقد محمد أن الحكومة العراقية تعمل الآن على معالجة هذه الأزمة من خلال التقليل من حدتها في فصل الصيف، لأنها قالت بصراحة إن أزمة الطاقة لا يمكن أن تنتهي بشكل نهائي إلا في عام 2028.

نقلاً عن : اندبندنت عربية