أكد رئيس الجبهة الثورية السودانية، القيادي بتحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الهادي إدريس، أنهم ضد أي توجه لتقسيم السودان، وأن حكومتهم الجديدة المزمع تشكيلها قريباً (الموازية لحكومة بورتسودان) تمضي في اتجاه الأجندة الوحدوية، فضلاً عن نزع الشرعية عن الحكومة القائمة بقيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ومن ثم فإن أي حديث غير ذلك مجرد فرية وتضليل متعمد، على حد قوله.
وقال إدريس في حواره مع “اندبندنت عربية”، “موقفنا من الانتهاكات التي ارتكبت في حق المدنيين خلال الحرب المندلعة بين الجيش و(الدعم السريع) منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 مبدئي وأخلاقي، إننا مع العدالة الشاملة وتطبيق القانون ضد كل من ارتكب جريمة مهما كان حجمها، سواء من قبل (الدعم) أو غيرها، ولن نتبع مقولة عفا الله عما سلف”.
وبين أن “من الصعوبة بمكان حسم هذا الصراع عسكرياً، فعلى رغم انتصارات الجيش وتقدمه أخيراً فإن الحرب كر وفر، يوم تكسب ويوم تخسر، وقد تتغير موازين القوى في أية لحظة، ومن ثم فإن من يراهن على أنه سيحقق انتصاراً مطلقاً واهم”.
بعيداً من التكسب
وعن مبرراتهم كتحالف لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات “الدعم السريع” المتهمة بممارسة انتهاكات وحشية ضد المدنيين، ومدى إمكان ملاحقة تلك القوات قضائياً في شأن تلك التجاوزات، قال إدريس “الهدف الأساس من تشكيل هذه الحكومة هو وقف انتهاكات الحرب، وإنشاء آليات إنفاذ القانون مثل الشرطة والنيابة والقضاء، وإبعاد الجيش الجديد خارج المدن، وموقفنا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكرامته في السودان مبدئي وأخلاقي وليس محلاً للتكسب السياسي، ويمتد لما بعد الإدانة إلى المطالبة بالعدالة الشاملة للضحايا”.
وتابع، “بكل تأكيد أن العدالة ستجري مجراها، وبحسب العرف المتبع ستتم محاسبة كل من ارتكب جريمة مهما كان حجمها من خلال تطبيق القانون، ولا بد لأي شخص أجرم في حق الوطن أن ينال جزاءه ويدفع ثمن جرمه، فليست هناك تنازلات عن الحق العام، وكل ملفات الانتهاكات”.
ومضى في القول، “إضافة إلى ذلك فإن الحكومة الجديدة لن تكون قائمة في مناطق سيطرة (الدعم السريع)، أو في غرب السودان، فالأطراف الموقعة على الميثاق لا ترغب في تأسيس دولة في إقليم دارفور، كما أن مكونات التحالف الجديد لديها أيضاً مناطق سيطرة، خصوصاً الحركات المسلحة والحركة الشعبية، شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، فضلاً عن أن هناك مناطق في السودان لا يسيطر عليها الجيش ولا (الدعم السريع)”.
وزاد، “لدينا مشروع استراتيجي نسعى من خلاله إلى نزع الشرعية من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان حتى لا تتسيد الحركة الإسلامية التي تسيطر على المشهد، هؤلاء الجماعة (قادة الجيش وحلفاؤهم) يتخوفون من شيئين ’البندقية’ ونزع السلطة، لذلك لدينا خياران لا ثالث لهما، الأول وضع الحركة الإسلامية في مكانها الطبيعي ومواجهتها بالسلاح والسياسية، والثاني انتزاع السلطة منها”.
أجندة وحدوية
وحول ما يتردد من أن الحكومة الموازية تعد أولى شرارات تقسيم السودان والاتجاه به نحو السيناريو الليبي، أوضح إدريس “على العكس، تشكيل هذه الحكومة يهدف لإيقاف خطة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان الساعية إلى تقسيم البلاد، خصوصاً في ظل التمييز الذي تمارسه بملف التعليم وتبديل العملة وتغييرها وحصر استخراج الأوراق الثبوتية على مناطق محددة، إضافة إلى سن وتفعيل قانون الوجوه الغريبة، وهي خطوات أشبه بالفصل العنصري والوجداني، ومن ثم فإن حكومة بورتسودان لديها مشروع تقسيم جاهز للتنفيذ، فقد سبق أن فصلت جنوب السودان من قبل، وهو المخطط ذاته الذي تقوده الحركة الإسلامية المسيطرة على مقاليد السلطة والجيش معاً”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف، “الاتهامات التي تثار حول اتجاه حكومة (السلام والوحدة) المرتقبة نحو تقسيم السودان لا قيمة لها ولا معنى، فهي جزء من سرديات التضليل المتعمد التي تود صرف نظر الناس عن رؤية حقيقة موقفنا، وهو أننا نسعى لوقف الحرب وإحلال السلام لأن أجندتنا وحدوية”.
ونوه بأن “الحركة الإسلامية تبنت الترويج لفرية التقسيم، نظراً إلى أن مشروع تحالف السودان التأسيسي نقيض مشروعها الذي يتبنى نهج التقسيم، ونحن نتطلع لتأسيس وطن جديد يسع الجميع، ولا نغض الطرف مطلقاً عن الجراح العميقة التي نالت من الوجدان الوطني بسبب هذه الحرب”.
وواصل، “التحالف الجديد اتخذ خطوة شجاعة من أجل مصلحة السودان والسودانيين، وهو يقف مع وحدة البلاد وليس تفكيكها وتقسيمها، وما يدل على ذلك أن الأطراف الموقعة على ميثاق نيروبي تضم قيادات مؤثرة من شرق وشمال ووسط البلاد، وهذه الأطراف لا علاقة لها بإقليم دارفور وتمثل مجتمعاتها”.
كلفة كبيرة
وفي ما يتعلق بالخيارات المتاحة بعد تشكيل الحكومة الموازية وإمكان إجراء مفاوضات سلام وعدم اللجوء للحسم العسكري، أجاب إدريس “من الصعوبة حسم هذا الصراع عسكرياً، وكذلك من المستحيل هزيمة قوات (الدعم السريع) حتى لو استمرت الحرب 100 عام، بل أتوقع تمدد هذه الحرب باتجاهات تسهم في تدمير السودان، مما يزيد معاناة المواطنين الذين هم في الأساس يعيشون على الكفاف وفي وضع مأسوي للغاية”.
وتابع، “لدينا تجربة في القتال مع هؤلاء العسكريين الذين كانوا يمثلون النظام السابق، فقد فشلوا في الانتصار علينا رغم أننا كحركات مسلحة إمكاناتنا محدودة ونقاتل من دون دعم خارجي، وقد حاربناهم أعواماً عدة، وفي النهاية وقعوا معنا اتفاق سلام، ناهيك بـ’الدعم السريع’ التي تملك قوة ضاربة وثقلاً اجتماعياً ولديها علاقات دولية، وحالياً الحرب اختلفت عن المرحلة الأولى، وأي طرف لديه حلفاء لن يتركوه ينهار”.
ومضى يقول “نحن لا نراهن على خيار الانتصار العسكري، وهذا لا يعني أننا ضعفاء، لكن هذه الخطوة كلفتها كبيرة للغاية، والحل السليم هو التفاوض، لكن المشكلة تكمن في عناصر الحركة الإسلامية الذين يرفضون العملية السياسية التي تأتي بقوي الثورة، أما المعضلة الثانية التي تواجه قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، فهي أن الحركات المسلحة المتحالفة معه ترغب في الحكم وفق نظام شمولي وسلطة مطلقة حتى لا تكون هناك محاسبة على الفساد، وفي تقديري أن البرهان يرغب في السلام، لكنه يخشى عناصر النظام البائد والحركات المسلحة المتحالفة معه، فهؤلاء في الأساس متحالفون مع الحركة الإسلامية وينفذون أجندتها، وإذا لم ينتصر قائد الجيش السوداني عليهما فلن يكون هناك سلام في البلاد”.
ولفت إلى أنهم “لم يغلقوا باب التفاوض، والآن هم جاهزون لهذه الخطوة إذا سنحت، شريطة التفاوض معهم كحكومة سلام”.
كر وفر
وحول تأثير تراجع وانحسار “الدعم السريع” وفقدانها كثيراً من المدن داخل النفوذ المناطقي للحكومة الجديدة، أجاب القيادي بتحالف السودان التأسيسي “الحرب كر وفر، يوم تكسب ويوم تخسر، وموازين القوى يمكن أن تتغير في أية لحظة، ومن يراهن على أنه سيحقق انتصاراً مطلقاً فهو واهم”.
وأردف “سبق وقدمت مبادرة لسحب الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع) من مدينة الفاشر، عقب سيطرة الأخيرة على غالبية مدن إقليم دارفور، وحدث تدمير وتخريب للبنية التحتية والأسواق، وانهارت المدن، وانتقل عدد كبير من السكان إلى عاصمة ولاية شمال دارفور، وعقدت جلسة مع القائد الثاني لـ(الدعم السريع) عبدالرحيم دقلو، وقلت له إنكم سيطرتم على مدن نيالا والضعين وزالنجي والجنينة، لذلك اتركوا الفاشر للحركات المسلحة، واسحبوا جنودكم نحو مدينة كتم أو أية منطقة أخرى، ونحن كقوة مشتركة محايدة سنقوم بحفظ الأمن”.
واستطرد، “رغم رفض القيادات الميدانية ’الدعم’ هذا المقترح، نجح دقلو في إقناعهم به، وعقب ذلك تواصلنا مع قيادات الجيش السوداني في مدينة الفاشر وأبدت موافقتهما، لكن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان رأت أن خطوة سحب الجيش تمهد لانفصال دارفور، وتم الضغط على رئيس (حركة تحرير السودان) مني أركو مناوي، ورئيس (حركة العدل والمساواة) جبريل إبراهيم لرفض المقترح، وبعد ذلك تخلوا عن مبدأ الحياد وانحازوا إلى جانب الجيش السوداني، مما أدى لإجهاض المبادرة والاعتداء على قواتنا”.
ومضى في الحديث “كانت ’الدعم’ في ذلك الوقت تسيطر على 20 في المئة فقط من مدينة الفاشر، وحالياً باتت تسيطر على 80 في المئة وتحاصر الجيش السوداني والحركات المتحالفة معه”.
تمويل ذاتي
وفي ما يتعلق بتوفير الموارد للحكومة الجديدة والتمويل المصرفي وإمكان التعويل على الخارج، قال إدريس “نعول على مواردنا الذاتية الضخمة، إلى جانب تأسيس نظام مالي نعمل عليه حالياً لإدارة التحويلات المصرفية، وكذلك نظام إلكتروني، خصوصاً أن الحكومة الجديدة تؤسس لأنظمة متطورة بواسطة خبراء أكفاء، فضلاً عن الترتيب لإنشاء بنوك رسمية”.
وأضاف، “من حق المجتمع الدولي أن يبدي قلقه من تشكيل حكومة جديدة في البلاد، لكن نحن نسعى لتوحيد السودان ونرفض التقسيم، والعالم كله يترقب الخطوة القادمة، نحن لا نعول على أي اعتراف دولي أو إقليمي، بل على الشعب السوداني، والشرعية الداخلية التي تستجيب لخدمات الناس، ومن ثم سنجد الاعتراف الدولي”.
واستطرد إدريس “الحديث عن خروج السكان من مناطق سيطرة (الدعم السريع) غير دقيق ويجافي الحقيقة، وظهور مئات الآلاف في نيالا ومدن عدة للترحيب بتحالف السودان التأسيسي الجديد يدحض تلك الادعاءات، وليس هناك نزوح، ففي مناطق سيطرتنا ثمة إدارات مدنية تعمل بكفاءة وتتواصل مع المنظمات بصورة مستمرة”.
وزاد، “نحن في الحكومة الجديدة ستكون لدينا شرطة ونيابات ووزارات وخدمة مدنية، وتجربتنا الجديدة ستختلف عن الإدارات المدنية التي كونها ’الدعم السريع’، وهناك مناطق في السودان لا يوجد فيها جيش ولا (دعم سريع)”.
معاناة وفساد
وفي شأن رهانهم على نجاح الحكومة الموازية ومستقبلها قال القيادي بتحالف السودان التأسيسي، “نسعى الآن لتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية في مدن البلاد كافة، وليس مناطق محددة، والآن حتى سكان شرق وشمال السودان يعانون نقص الخدمات”.
وأضاف، “بعد تشكيل الحكومة الجديدة سنقدم المشاريع التنموية في جميع المدن، وليس بالضرورة أن ننفذها نحن، ويمكن للمنظمات الدولية لعب أدوار مؤثرة حال اعتراض الجيش السوداني، وهدفنا خدمة كل السودانيين بمختلف ثقافاتهم وتنوعهم”.
وأشار إلى أنهم “يراهنون على الشعب السوداني، وليس لديهم خيار آخر سوى مواجهة عناصر الحركة الإسلامية بالآليات كافة، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة من داخل البلاد يلتف حولها الملايين، وكانت البداية من مدن إقليم دارفور، وحتى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني يوجد فيها مؤيدون للحكومة الجديدة، لكنهم يخشون القتل”.
وتابع، “عناصر النظام البائد عطلوا التجارة حتى في مناطق سيطرة الجيش وخصوصاً بورتسودان وعطبرة ونهر النيل، لأن الرأسمالية الطفيلية التي تتبع للحركة الإسلامية مستفيدة من هذا الوضع، بالتالي المعاناة ليست حصرية في مناطق سيطرة (الدعم) وإنما في مناطق نفوذ القوات المسلحة نفسها”.
ورداً على سؤال عن وجود أطراف خارجية تدعم طرفي الصراع بالسلاح والمال لأطماع لديها، أوضح إدريس “السودان ليس موجوداً في جزيرة معزولة، والجيش لديه حلفاء ساندوه في الحرب الحالية، وقد شاهد الملايين الطيران الأجنبي ينفذ ضربات جوية ويقتل المواطنين الأبرياء، وهذه الأشياء تتم في العلن، وهناك آخرون لديهم علاقات دولية يمكنهم استغلالها في الاتجاه ذاته، لكن يجب ألا نلوم الخارج لأن ذلك يعد تبريراً وعجزاً، ونحن كسودانيين يمكن أن نوقف هذه الحرب إذا كانت لدينا الشجاعة الكافية، لكن ليست هناك إرادة لتنفيذ هذا المسعى”.
وزاد، “السيناريو القادم للسودان يمضي في مسارين، أولاً النهضة والتعمير، وهو هدفنا الأساس في التحالف التأسيسي، وتشكيل حكومة سلام قائمة على أسس جديدة وتستقطب كل السودانيين، وثانياً، مسار انهيار البلاد، الذي تعمل عليه الحركة الإسلامية وحال انتصارها سيتفكك السودان”.
عراقيل وعقبات
وفي شأن أسباب فشل مساعيهم في إنهاء الحرب عند اختيارهم طريق الحياد والانضمام لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) قال إدريس، “معروف أن وسيلة المدنيين الوحيدة هي العمل السياسي من أجل الضغط على طرفي الصراع لإيقاف القتال وإحلال السلام، وفي هذا المسعى اجتهدنا وتواصلنا مع المجتمع الدولي، لكن للأسف الجيش السوداني أجهض المساعي كافة، في البداية تعاطى بصورة إيجابية، لكن بعد تأسيس حكومته في مدينة بورتسودان رفض كل المبادرات الإقليمية والدولية التي طرحت لوقف الحرب، خصوصاً بعدما وجد الشرعية والاعتراف كسلطة أمر واقع، ومن ثم فإن حكومة بورتسودان باتت لا تحتاج إلى عملية سياسية لأن هذه الخطوة لن تأتي بعناصر الحركة الإسلامية مجدداً، وهم في الأصل من أشعل حرب الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 لقطع الطريق أمام تنفيذ الاتفاق الإطاري، وقد عاد الإسلاميون بقوة إلى المشهد منذ انقلاب الـ25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021”.
واستطرد، “عام 2019، اقتلع الشعب السوداني نظام الرئيس السابق عمر البشير بثورة عظيمة، وهو ما أغضب عناصر الحركة الإسلامية وجعلهم يخططون لاستعادة الحكم ولو بإشعال الحرب وتقسيم السودان من أجل السيطرة على أجزاء محددة من البلاد، ورغم هذه العراقيل لعبت القوي السياسية أدواراً مؤثرة من أجل وقف الصراع المسلح، لكننا وصلنا إلى قناعة تامة بأن الآليات السياسية لا تكفي، ونحتاج إلى نزع الشرعية من طريق تشكيل حكومة جديدة من أجل الضغط على سلطة بورتسودان، وما حدث في نيروبي يمثل نقطة تحول كبيرة، وللمرة الأولى تجتمع القوى السياسية لبناء دولة ديمقراطية وعلمانية، وإذا لم نتخذ قراراً شجاعاً فلن تتوقف الحرب أو تتوحد البلد”.
وأضاف، “نمد أيادينا للقوى الثورية والمدنية للعمل معاً من أجل إعادة السودان إلى مكانه الطبيعي، لأن هدفنا إيقاف الحرب، وعدونا واحد وهو الحركة الإسلامية، إلى جانب وجود تاريخ نضالي مشترك يجمعنا مع القوى المناهضة للنظام البائد، فنحن من هذا المنطلق لا زلنا نقف في خندق السلام لنجنب بلادنا مزيداً من الدمار والتقسيم والتشريد لأهله الذين يعيشون أوضاعاً مأسوية في داخل البلاد وخارجها”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية