قدم كبار التنفيذيين في بعض أكبر شركات النفط والغاز في العالم دعمهم الكامل لسياسة “هيمنة الطاقة” التي يتبناها الرئيس دونالد ترمب، على رغم تراجعات الأسواق المالية بسبب المخاوف المتزايدة حيال أجندته الاقتصادية.
وساد الترقب أجواء اليوم الأول من مؤتمر (CERAWeek) السنوي، الذي تنظمه “أس أند بي غلوبال” في هيوستن – تكساس، إذ شهدت أروقته وجلساته نقاشات مكثفة وسط تفاؤل الصناعة بإمكان الانتعاش.
ودعا الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو السعودية” المهندس أمين حسن الناصر إلى تحول جذري في التخطيط العالمي للتحول في مجال الطاقة، داعياً إلى اتباع نهج أكثر توازناً يسمح بنمو مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة مع الحفاظ على التركيز على أهداف المناخ.
وفي حديثه في المؤتمر أشار الناصر، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، إلى أن الاستراتيجية الحالية، التي تعطي الأولوية للطاقة المتجددة والبديلة مع فرض قيود تنظيمية صارمة على الطاقة التقليدية، أثبتت عدم فعاليتها. وقال إن الاستمرار في هذه المقاربة قد يتطلب استثماراً إضافياً يراوح ما بين 6 و8 تريليونات دولار سنوياً. وحذر من أن المسار الحالي قد يؤدي إلى مستقبل قاتم، ما لم يحدث تغيير.
وأضاف الناصر أن “أكبر وهم حول التحول الطاقي هو الاعتقاد بأنه يمكن التخلص من الطاقة التقليدية بين عشية وضحاها، فلا تزال المصادر التقليدية توفر أكثر من 80 في المئة من الطاقة في الولايات المتحدة، ونحو 90 في المئة في الصين، وأكثر من 70 في المئة في الاتحاد الأوروبي”، وأضاف “مصادر الطاقة الجديدة لا تحل محل التقليدية، بل تكملها، ولا يمكن لمصادر الطاقة الجديدة تلبية النمو في الطلب”، وتابع “يجري التخلص من مصادر الطاقة التقليدية الفعالة بطرق غير عقلانية، وهذه هي الطريق السريعة نحو المستقبل المظلم. مستقبل مليء بالأزمات والمعاناة”.
تغير المناخ وإنتاج الطاقة
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “شيفرون” مايك ويرث أمام الحضور إن النقاش حول تغير المناخ وإنتاج الطاقة يتجه نحو “إعادة ضبط”، من جانبه تحدث الرئيس التنفيذي لشركة “شل” وائل صوان عن “آفاق طويلة الأمد” أمام الطلب على الغاز الطبيعي.
لكن بينما كان التنفيذيون يتحدثون، تراجعت أسعار النفط في نيويورك إلى أدنى مستوى لها في ستة أشهر، وتعرضت الأسهم الأميركية لضغوط حادة وسط مخاوف مرتبطة بالرسوم الجمركية، وتؤكد هذه التحركات كيف أن سعي ترمب إلى هيمنة أميركية على الوقود الأحفوري قد يصطدم بتداعيات الحرب التجارية التي أطلقتها إدارته.
وزير الطاقة الأميركي كريس رايت دافع عن أجندة ترمب، وقال في مقابلة مع تلفزيون “بلومبيرغ”، “عدم اليقين مزعج ويؤدي إلى فقدان الثقة، وهذا يقود إلى الخوف. لكن انظروا، الحياة طويلة. هذه الإدارة لم تكمل سوى 50 يوماً”.
وأضاف رايت “هناك كثير من الأمور الإيجابية التي تحدث، لكن نعم، أنتم تشاهدون عملية صنع القرار عن قرب. في نهاية المطاف، نريد خفض الكلفة للأميركيين، ويجب منح الأمر بعض الوقت”.
وتشكل صناعة الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة عنصراً أساسياً في وعد ترمب بـ”عصر ذهبي” جديد لأكبر اقتصاد في العالم، وتمثل إدارته فرصة نادرة لشركات النفط والغاز لتأمين تصاريح تمتد من عقود التنقيب إلى محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال.
لكن الواقع قد يكون أقل وضوحاً، فالتعريفات الجمركية التي فرضها ترمب تهدف إلى رفع أسعار الصلب المستخدم في أنابيب النفط والغاز، بينما قد تؤدي سياساته المتعلقة بالهجرة إلى تقليص إمدادات العمالة. ومنذ تنصيبه في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي، تراجعت أسعار النفط الخام بنحو 15 في المئة، مما يجعل من الصعب حتى على أكثر المنتجين طموحاً زيادة الإنتاج مع استمرار الضغوط على الهوامش.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك” لاري فينك “إذا أصبحنا أكثر قومية بعض الشيء، ولست أقول إن هذا أمر سيئ، لكن ما يخطر في بالي هو أن التضخم سيرتفع”، وأضاف أن عمليات الترحيل قد تترك “تأثيرات شديدة” في قطاع البناء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكل توليد الطاقة بالغاز مصدر قلق خاص، نظراً إلى دوره المحتمل في دعم بناء مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وقال الرئيس التنفيذي لشركة “نيكستيرا إنرجي” جون كيتشوم، إن كلفة بناء محطات توليد الطاقة بالغاز ارتفعت ثلاثة أضعاف في السنوات الأخيرة، حتى قبل فرض التعريفات الجمركية الأخيرة، بسبب أوقات التنفيذ الطويلة للتوربينات، والتأخير في التصاريح، ونقص العمالة.
وقال كيتشوم، “نحن بحاجة إلى كل شيء، نحتاج إلى الطاقة المتجددة، وإلى الغاز، وإلى الطاقة النووية”، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الاعتمادات الضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة التي جرى تبنيها خلال عهد بايدن.
وأضاف في مقابلة، “كل هذه المصادر ستأتي في أوقات مختلفة وبملفات تكلفة متباينة، لكن لا ينبغي لنا اتخاذ قرارات تجبرنا على الاعتماد على تقنية واحدة فقط”.
صناعة النفط والغاز وتعريفات ترمب
في غضون ذلك، يعول كبار ممثلي قطاع النفط والغاز على إمكان استثناء صناعتهم من التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب، بحجة أن واردات الصلب والأنابيب ستعزز إنتاج الطاقة المحلي، ومن المتوقع أن ترتفع قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2027، مما يتطلب كميات كبيرة من الصلب المستورد.
وقال الرئيس التنفيذي لمعهد البترول الأميركي مايك سومرز، في مقابلة، “يدرك الرئيس وفريقه تماماً أنه لتحقيق هيمنة الطاقة، لا بد من تبني سياسة تجارية تدعم هذا الهدف أيضاً. بالتأكيد هناك بعض عدم اليقين، لكن هذا أمر شائع مع كل إدارة”.
وعلى رغم هذه الضبابية، رحب منتجو النفط، بمن فيهم “شيفرون” و”شل”، بأجندة إدارة ترمب الداعمة للنمو، معتبرين إياها بديلاً أكثر مرونة مقارنة بالنهج التنظيمي والمناخي الصارم الذي تبنته إدارة بايدن وصناع القرار في أوروبا.
ويعد مؤتمر CERAWeek حدثاً سنوياً يجمع قادة الطاقة والمسؤولين الحكوميين والتنفيذيين من الصناعات المختلفة، ويشكل منصة للمناقشات حول أمن الطاقة والإمدادات والسياسات المناخية والتكنولوجيا والاستدامة. وجذب مؤتمر هذا العام، الذي يحمل عنوان “المضي قدماً: استراتيجيات الطاقة لعالم معقد”، أكثر من 10 آلاف مشارك من أكثر من 2000 شركة من 80 دولة، مع مشاركة أكثر من 1400 متحدث.
نقلاً عن : اندبندنت عربية