تعاني ليبيا انقساماً عسكرياً منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، إذ فشلت الجهود الأممية في ردم هوة التباعد العسكري بين القطبين الغربي والشرقي، وأوكلت مهمة توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا إلى المجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، إلا أنه لم يحقق هو الآخر خطوات تذكر في هذا الاتجاه، على رغم توصل اللجنة العسكرية المشتركة المعروفة بـ”5+5″ في كل مرة إلى توافقات لتوحيد المؤسسة العسكرية في إطار جهود إنهاء النزاعات المسلحة بالبلد.
والسبت الماضي بحثت رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا حنا تيتيه مع قائد القيادة العامة (شرق) خليفة حفتر “سبل توحيد المؤسسات العسكرية وضمان فاعليتها وخضوعها للمساءلة”، والأربعاء الماضي تناقشت مع رئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد في مسائل تهم الموضوع ذاته.
انتشار السلاح
ويقول المتخصص في الشأن العسكري العقيد عادل عبدالكافي إن ضعف القيادات التي تتصدر المشهد العسكري في الغرب الليبي على رغم الاستعانة ببعض الخبرات المحلية والخارجية لم تنجح في تحسين مستوى القيادات العسكرية في الغرب، ليرتفع إلى مسايرة المرحلة غير التقليدية التي تمر بها الجيوش في مختلف دول العالم، مضيفاً أن ليبيا في حاجة إلى قيادات غير تقليدية تستطيع مواكبة هذه المرحلة لتنتج بعدها قوة نظامية تقود مؤسسة عسكرية موحدة.
ونوه عبدالكافي بأن عملية الاستقطاب التي عمل عليها حفتر منذ قبل عام 2014 لضباط نظاميين كانت بداية تقسيم المؤسسة العسكرية، إذ بدأ في تحشيد واستمالة العسكريين النظاميين بمن فيهم الضباط المتقاعدون، مما أدى إلى التحاق كثير من العسكريين من المنطقة الغربية والجنوبية بالمعسكر الشرقي بسبب الامتيازات المالية المتوافرة بمعسكر الرجمة.
ويوضح المتخصص العسكري أن ليبيا لا توجد بها مؤسسة عسكرية بالمعنى الحقيقي منذ حقبة القذافي، معتبراً أن الفترة الذهبية للمؤسسة العسكرية انتهت منذ الثمانينيات وتحديداً عام 1987، حين عمل القذافي على إضعافها وتفتيتها وإنشاء بديل لها متمثل في” الكتائب الأمنية” على غرار “اللواء معزز” و”اللواء 32″، وزرع بهم عقيدة خاصة تتمثل في حماية القذافي وأبنائه وزمرته الحاكمة لا حماية الوطن.
وأكد عبدالكافي أن القذافي كان يخشى انقلاب المؤسسة العسكرية عليه، لذا عمل على إضعافها وعدم تطويرها، لافتاً إلى أن ثورة فبراير بينت أن ليبيا لا تمتلك جيشاً مهنياً قوياً، عكس تونس أو مصر اللتين برهنتا أنهما تمتلكان جيشاً مهنياً استطاع أن يحتوي التغيير السياسي ويحمي المواطنين.
وأكد المتخصص في الشؤون العسكرية أن توحيد الجيش والقضاء على المرتزقة يتطلب وجود رئيس دولة منتخب يقضي على انتشار السلاح خارج أطره القانونية ويعمل على لجم التشكيلات المسلحة المارقة عن القانون، باعتبارهما أحد أبرز العوائق أمام توحيد المؤسسة العسكرية التي لا يمكن أن تقوم في ظل نظام سياسي مفتت، وفق تعبيره.
عوامل متداخلة
ويرجع العميد المتقاعد من الجيش التونسي مختار بن نصر فشل الفصائل الليبية في التوحد تحت راية جيش موحد إلى أسباب معقدة عدة تتعلق بالوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا، أبرزها التقسيم السياسي والعسكري، فبعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011 دخلت ليبيا في مرحلة من الانقسام بين فصائل ومجموعات مسلحة متعددة، كانت تسيطر على مناطق مختلفة، بحيث لم تكن هذه الفصائل متحدة حول أهداف مشتركة أو رؤية موحدة للحكم في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع المتخصص العسكري التونسي أن العائق الثاني “يتمحور حول التنافس على السلطة، فكل فصيل في ليبيا يسعى إلى تعزيز سلطته المحلية أو الإقليمية، مما يعقد إمكانية التوحد تحت قيادة واحدة، بخاصة أن كثيراً من الفصائل كانت مدعومة من دول خارجية لها مصالح مختلفة، مما أسهم في استمرار الانقسامات العسكرية”.
وأضاف بن نصر أن الاختلافات الأيديولوجية بين الفصائل المسلحة في ليبيا هي الأخرى ألقت بثقلها أمام جهود إنهاء الانقسام العسكري في ليبيا، حيث يضم المشهد العسكري مجموعات ذات توجهات أيديولوجية مختلفة من إسلاميين إلى علمانيين، مروراً بالمجموعات القبلية والطائفية، وهذه الاختلافات جعلت مهمة توحيدهم تحت قيادة واحدة صعبة.
ويقول العميد المتقاعد من الجيش التونسي إن المصالح الإقليمية والدولية كانت هي الأخرى عاملاً مهماً في تعميق الانقسامات العسكرية، فكثير من الدول الداعمة لمختلف الفصائل الليبية كانت تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، مما عزز التجزئة والتمزق في الجيش الوطني، إضافة إلى صعوبة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا التي أدت إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي، بحيث أصبحت الفصائل المسلحة أداة لإعادة توزيع الثروات على حساب الأمن والاستقرار الوطني مما زاد من صعوبة توحيد الجيش تحت راية واحدة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية