القيام آخر الليل مقدم على أوله: وكان من هدي الصحابة – رضوان الله عليهم- أنهم كان يصلون التراويح آخر الليل وليس أول الليل كما هو حال غالب المسلمين، وقد قال عمر لما رأى الناس تصلي أول الليل:” والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون”، يريد آخر الليل.
وقال الحسن رحمه الله: «كان الناس يصلون العشاء في شهر رمضان في زمان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم ربع الليل الأول، ثم يقومون الربع الثاني، ثم يرقدون ربع الليل، ويصلون فيما بين ذلك” وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا تعشى في شهر رمضان هجع هجعة ثم يقوم إلى الصلاة فيصلي.
وعن عكرمة رحمه الله: كنا نصلي ثم أرجع إلى ابن عباس رضي الله عنه فأوقظه فيصلي فيقول لي: يا عكرمة هذه أحب إلي مما تصلون، ما تنامون من الليل أفضله يعني آخره ” عمران بن حدير رحمه الله: أرسلت إلى الحسن رحمه الله فسألته عن صلاة العشاء في رمضان أنصلي، ثم نرجع إلى بيوتنا فننام، ثم نعود بعد ذلك؟، فأبى، قال: «لا، صلاة العشاء ثم القيام”.
على أنه لا يؤخر المرء صلاة التراويح مادام الناس يصلونها أول الليل؛ اتباعا للجماعة، قال أبو داود رحمه الله: قيل لأحمد رحمه الله وأنا أسمع يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل؟ قال: «لا، سنة المسلمين أحب إلي”.
وتأخير صلاة التراويح لآخر الليل هو عندي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء”.
حكم حضور النساء الجماعة في قيام رمضان
كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- أن تحضر النساء صلاة التراويح مع الجماعة في المسجد، لا أن يصلين في بيوتهم.
ويدل على ذلك ، ما ورد عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس قارئين، فكان أبي بن كعب رضي الله عنه يصلي بالرجال، وكان ابن أبي حثمة رحمه الله يصلي بالنساء ” . وقال عرفجة الثقفي رحمه الله: «أمرني علي رضي الله عنه فكنت إمام النساء في قيام رمضان” .
وعن ابن أبي مليكة: أن ” ذكوان أبا عمرو كانت عائشة رضي الله عنها أعتقته عن دبر، فكان يؤمها ومن معها في رمضان في المصحف، قال: وكان يؤمها من يدخل عليها إلا أن يدخل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فيصلي بها” .
إمامة المرأة للنساء في قيام رمضان: على أن المرأة إذا أحبت الصلاة في البيت، فلا حرج عليها في ذلك، ولجماعة من النساء أن يجتمعن في البيت، أو في المسجد فيصلين وحدهن، تؤمهن امرأة منهن، على الراجح من أقوال أهل العلم.
ويشهد لذلك ما ورد عن عن أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم” أمرها أن تؤم أهل دارها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكان لها مؤذن “.
بل “كانت أم سلمة رضي الله عنها تؤم النساء في رمضان وهي في الصف معهن لا تقدمهن “، كما روى قتادة ذلك عن أم الحسن.
وكيفية إمامتها أن تقف وسطن في الصف, فإذا ركعت تقدمت خطوة أو خطوتين ثم لتسجد، فإذا قامت رجعت إلى مقامها.
هل تجوز القراءة من المصحف في صلاة التراويح؟
ومما ورد عن بعض الصحابة والسلف جواز أن يقرأ الإمام من المصحف في صلاة التراويح، من ذلك ما ورد أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها غلام لها في المصحف وكان يقال له ذكوان في رمضان بالليل.
وسئل ابن شهاب رحمه الله عن الرجل يؤم الناس في رمضان في المصحف قال: «ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرءون في المصاحف” .
وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه أنه كان يأمره، أن يقوم بأهله في رمضان ويأمره أن يقرأ لهم في المصحف ويقول: «أسمعني صوتك” . وقال عطاء في الرجل يؤم في رمضان من المصحف: «لا بأس به” وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: «لا أرى بالقراءة من المصحف في رمضان بأسا يريد القيام” ابن وهب رحمه الله: سئل مالك، عن أهل قرية ليس أحد منهم جامعا للقرآن أترى أن يجعلوا مصحفا يقرأ لهم رجل منهم فيه؟ فقال: «لا بأس به” ، فقيل له: فالرجل الذي قد جمع القرآن أترى أن يصلي في المسجد خلف هذا الذي يقوم بهم في المصحف أو يصلي في بيته؟ فقال: «لا، ولكن ليصل في بيته” وعن أحمد رحمه الله: ” في رجل يؤم في رمضان في المصحف، فرخص فيه فقيل له: يؤم في الفريضة؟ قال: ويكون هذا ” وعنه أيضا وقد سئل هل يؤم في المصحف في رمضان؟ قال: «ما يعجبني إلا أن يضطر إلى ذلك، وبه قال إسحاق”.
بدء القراءة في أول ليلة: اعتاد المسلمون قراءة القرآن من أوله في أول ليلة من رمضان لمن أراد ختمه، فيبدؤون بقراءة سورة البقرة، لكن «كان أهل المدينة إذا دخل رمضان يبدؤن في أول ليلة بإنا فتحنا لك فتحا مبينا” ، كما نقل ذلك أبو حازم.
يؤم الناس أحسنهم قراءة: كان من هدي الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم- أن يؤمهم أحفظهم للقرآن وأجودهم له بمراعاة أحكام التجويد، ولم يكن من هديهم أن يختاروا حسن الصوت فقط، أو من يبالغ في التغني في القرآن، بل هذا مكروه، وذلك لأنه يذهب الخشوع في الصلاة، ويكون هم الرجل أن يستمع التغني بالقرآن، فينصرف عن التدبر عن معانيه، فلا يعقل منه شيئا.
وقد حصل هذا زمن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- فغير الإمام، فعن نوفل ابن إياس الهذلي رحمه الله قال: كان الناس يقومون في رمضان في المسجد فكانوا إذا سمعوا قارئا حسن القراءة مالوا إليه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” قد اتخذوا القرآن أغاني والله لئن استطعت لأغيرن هذا فلم تمر ثلاث حتى جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه .
وقال أيوب رحمه الله، عن بعض المدنيين: قدم رجل من أهل العراق يقال له: البيذق، فنزل المدينة، فأقاموه يصلي بالناس في رمضان، فجعلوا يقولون لسالم مولى ابن عمر: لو جئت، قال: ” فما زلنا به حتى جاء ليلة، فسمع حتى دخل أو أراد أن يدخل فخرج وهو يقول: غناء غناء”. يعني أن أداء العراقي في قراءة القرآن تشبه أداء الغناء.
نقلاً عن : الوفد