لا يهدف تحرك الصين الأخير لتعزيز الاستهلاك إلى تحفيز جميع أنواع الإنفاق، إذ ضاعف صناع السياسات الدعم لبرنامج استبدال المنتجات الاستهلاكية إلى 300 مليار يوان (41.4 مليار دولار) هذا العام، مما يتماشى مع توقعات السوق. لكنهم تجنبوا تقديم مساعدات نقدية مباشرة، وستغطي هذه الإعانات نحو 15 في المئة إلى 20 في المئة من سعر الشراء لبعض المنتجات، بما في ذلك الهواتف الذكية متوسطة المدى والأجهزة المنزلية. ويعد هذا توسعاً من برنامج العام الماضي الذي بلغ 150 مليار يوان (20.6 مليار دولار) والذي كان يركز على مجموعة أضيق من المنتجات.

ومن المتوقع أن تدعم الجولة الجديدة من الإعانات مبيعات التجزئة بشكل كبير، على غرار الطريقة التي شهدت بها شركات التجارة الإلكترونية زيادة في المبيعات لبعض المنتجات في نهاية العام الماضي، وفقاً لما قاله المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “ويبيك ماركيتينغ أند تيكنولوجيز”، جاكوب كوك، لشبكة “سي أن بي سي”.  وعلى رغم الشكوك حول تأثير الدعم لمرة واحدة الذي قد يكون قصير الأمد، يعتقد كوك أنه من المرجح أن تتبع برامج دعم أخرى، وأضاف أن هدف الصين الطموح بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة وتركيزها على الاستهلاك يشير إلى أن بكين ستستمر في اتخاذ إجراءات لدعم النمو، من دون الاعتماد بشكل كبير على استراتيجيتها التقليدية في الإنفاق على البنية التحتية.

وفي تقريره السنوي عن العمل الحكومي الأسبوع الماضي، حدد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ تعزيز الاستهلاك كأهم مهمة للعام المقبل.

تعزيز الاستهلاك أولوية للحكومة الصينية

وذكرت كبيرة الاستراتيجيين في أسواق الأسهم الصينية لدى مورغان ستانلي، تشينغ شانجي، أن هذه هي المرة الأولى منذ عقد من الزمن التي تمنح فيها بكين الاستهلاك هذه الأولوية العالية. وأضافت أن تقرير العمل الحكومي ذكر كلمة “الاستهلاك” 27 مرة، وهو أكبر عدد من المرات التي تذكر في العقد الماضي.

وبينما لم تتبع بكين نهج الولايات المتحدة أو دول أخرى في توزيع الأموال النقدية للمستهلكين، فإن صناع السياسة الصينيين اعترفوا بشكل متزايد بالحاجة إلى مواجهة الضغوط الانكماشية في الداخل.

وقال رئيس مجموعة إعداد تقرير العمل الحكومي ومدير مكتب أبحاث مجلس الدولة، شين دان يانغ، للصحافيين يوم الأربعاء الماضي، إنه يجب على الصين التركيز بشكل أكبر على الطلب المحلي بالنظر إلى إمكانية حدوث “صدمات جديدة” في الطلب الخارجي.

ونمت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة 3.5 في المئة العام الماضي، وهو تباطؤ حاد مقارنة بالنمو الذي بلغ 7.2 في المئة في العام الذي قبله. وفي علامة على تراجع الطلب المستمر، انخفضت معدلات التضخم في أسعار المستهلكين في الصين في فبراير (شباط) الماضي، إلى ما دون الصفر للمرة الأولى منذ أكثر من عام، وفقاً للبيانات الرسمية التي أُعلنت يوم الأحد.

وقال عضو مجموعة إعداد تقرير العمل الحكومي ونائب مدير مكتب أبحاث مجلس الدولة، تشن تشانغ شنغ، في المؤتمر الصحافي ذاته يوم الأربعاء، “إذا كانت الأسعار منخفضة جداً، يصبح من الصعب تحفيز الشركات على الاستثمار وزيادة دخل المستهلكين.”

وأشار إلى أن تقرير العمل دعا إلى أربع مهام لمعالجة الأسعار المنخفضة، تتضمن توسيع الدعم المالي، والعمل على رفع الاستهلاك، واستخدام التنظيمات لمنع الحروب السعرية، وبذل مزيد من الجهود لتثبيت أسعار العقارات.

استقرار العقار سيحفز القطاع العقاري

وتشكل العقارات الجزء الأكبر من ثروة الأسر في الصين، وأدت الحملة الصارمة على الرافعة المالية في سوق العقارات في 2020 إلى حدوث تراجع بدأ في التحسن فقط في أواخر العام الماضي بعد مكالمة سياسة رفيعة المستوى في سبتمبر (أيلول) 2024 لوقف تراجع قطاع العقارات.

وقال محلل استراتيجيات الأسهم الصينية في “يو بي أس سيكيوريتيز”، منغ لي، إن استقرار سوق العقارات يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحفيز الاستهلاك، مشابهاً لتأثيرات الرفاهية الناتجة من ارتفاع سوق الأسهم، مشيراً إلى التوقعات بأن سوق الأسهم فئة A في البر الرئيسي للصين أصبحت أكثر أهمية استراتيجياً.

وشهدت الأسهم انتعاشاً بعد إعلان الصين عن تدابير التحفيز في الأشهر الأخيرة.

وتأتي الـ 300 مليار يوان (41.3 مليار دولار) المخصصة للمدفوعات من زيادة في السندات الحكومية الخاصة الممتدة عام 2025، وقالت الصين الأسبوع الماضي إنها سترتفع بعجزها إلى 4 في المئة في إطار سعيها لتنفيذ “سياسة مالية نشطة.”

ومن العوامل الأخرى التي تدعم المعنويات هي الإشارات التي توضح أن بكين تبدو أكثر وداً للأعمال، فقد عقد الرئيس الصيني شي جينبينغ اجتماعاً نادراً مع رواد الأعمال الشهر الماضي.

وبمجرد أن تصبح الشركات أكثر ثقة، يمكنها توظيف المزيد وزيادة الأجور، وفي الاجتماع رفيع المستوى الذي عُقد الأسبوع الماضي، تعهد رئيس الوزراء الصيني ببذل المزيد من الجهود لتعزيز نمو دخل المواطنين وتخفيف الأعباء المالية على الفئات ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووعد المسؤولون بتقديم مزيد من الدعم لرعاية كبار السن والأطفال والنظام الصحي بشكل عام، وهي خطوات يُنظر إليها على أنها حاسمة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، مما يتيح للمقيمين الشعور بالراحة في إنفاق المزيد.

ويمكن أن تساعد هذه التدابير إلى حد ما في تقليل كلفة المعيشة وإطلاق العنان للاستهلاك المحتمل، بحسب محلل العملات الأجنبية الكلي في شركة “نان هوا” للعقود الآجلة، بان شيانغ.

محور تدريجي

ولطالما دعا الاقتصاديون إلى إعادة تعديل هيكل نظام توزيع الدخل والسياسات التي يُنظر إليها على أنها ضرورية لتحفيز الاستهلاك المحلي بشكل فعال.

وتشير التعهدات الأخيرة إلى أن “الباب بدأ يفتح قليلاً”، لكن لا تزال “الحركة التدريجية جداً من القيادة نحو أن تصبح أكثر راحة في تقديم الدعم المباشر للاستهلاك”، وفقاً لما قاله زميل في مركز تحليل الصين بمعهد سياسة آسيا، مايكل هيرسون، مضيفاً “نحن لم نصل بعد إلى مرحلة الدفع القوي للغاية”.

وقبل أن يأتي المزيد من الدعم، أدى وجود شبكة أمان اجتماعي غير متطورة، وسوق عمل قاتم، وأجور منخفضة إلى دفع الأسر إلى التوفير بدلاً من الإنفاق، بحسب هيرسون.

ويمثل الإنفاق الأسري أقل من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، وهو أقل بكثير من المتوسط الدولي البالغ 60 في المئة، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

السيارات الكهربائية والأفلام والسياحة

وبنظرة على خطة التنفيذ التي أصدرتها اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح يوم الأربعاء، تكشف كيف تفكر الصين في تعزيز الاستهلاك، ويدعو التقرير إلى بذل الجهود لزيادة “القدرة الشرائية” وتشجيع تطوير المنتجات والسيناريوهات التي من شأنها تحفيز المستهلكين على الإنفاق.

لكنها ليست دعوة لدعم جميع أنواع التسوق، فأحد الأمور التي تركز عليها السياسات هو مبيعات التجزئة لـ “المنتجات الكبيرة” وفقاً للتقرير، وقالت الصين إنها ستقلل من القيود المفروضة على معاملات العقارات وشراء السيارات.

في حين أن جزءاً من الخطة يشمل تطوير “اقتصاد التجربة”، أو السيناريوهات الغامرة التي تجمع بين الأفلام وألعاب الفيديو والسياحة والثقافة الصينية التقليدية كالطفرة في عدد السياح إلى المواقع التاريخية المرتبطة بلعبة الفيديو الشهيرة الأسطورة السوداء: ووكونج “Black Myth: Wukong” التي حققت نجاحاً كبيراً العام الماضي.

وقالت السلطات الصينية أيضاً إنها ستعمل على تحسين “آليات الزيادات المنتظمة في الرواتب” إلى جانب نظام أيام الإجازات المدفوعة، فعادة ما يحصل الموظفون في الصين على أقل من 10 أيام إجازة مدفوعة، وتتضمن بعض العطلات العامة أياماً يجب تعويضها بالعمل خلال جزء من عطلة نهاية الأسبوع.

وتناول التقرير خطة الاستمرار في دعم برامج استبدال السلع الاستهلاكية وترقية المعدات.

وقال رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، تشينغ شانجي، إن الصين ستصدر قريباً خطة أكثر تفصيلاً لتعزيز الاستهلاك.

وتشير البيانات الأولية إلى زيادة في المبيعات نتيجة لدعم الاستهلاك الأولي البالغ 81 مليار يوان (11.1 مليار دولار) الذي أُعلن عنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل اجتماع البرلمان هذا الشهر.

وأظهرت بيانات من الهيئة الصينية لصناعة السيارات أن مبيعات السيارات الكهربائية الجديدة، التي يستفيد المشترون فيها من دعم يصل إلى 15 ألف يوان (2000 دولار)، شهدت زيادة بنحو 80 في المئة لتصل إلى 686 ألف سيارة في فبراير 2025 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.

وشهدت مبيعات الهواتف الذكية خلال الأسبوع من 20 إلى 26 يناير الماضي، ارتفاعاً بنسبة تقارب 65 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، إذ بيع أكثر من 9.5 مليون هاتف ذكي، “وحافظت على مستوى مرتفع في الأسابيع التالية”، وفقاً لتقرير صادر عن شركة “كاونتر بوينت للأبحاث” في أواخر فبراير الماضي.

وأشار التحليل إلى أن الدعم المالي قد يشجع المستهلكين الصينيين على استبدال هواتفهم الذكية في وقت أقرب من المخطط له، بخاصة مع تزايد استخدام ميزات الذكاء الاصطناعي. وتقدر الشركة أن دعم الربع الأول من هذا العام، سيولد على الأقل نقطتين إلى ثلاث نقاط إضافية من النمو هذا العام في مبيعات الهواتف الذكية في الصين.

نقلاً عن : اندبندنت عربية