يقف العالم اليوم على أعتاب تحول تاريخي، إذ لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية بل ساحة لصراع عالمي على الهيمنة، فيما الدول والشركات التي تقود هذا السباق لا تسعى فحسب إلى الابتكار، بل لإعادة تشكيل الاقتصادات وإعادة توزيع الثروات، وتحديد موازين القوى خلال القرن الـ21.

ولخطورة التأخر في هذا السباق العالمي، يشهد العالم العربي اهتماماً متزايداً بالاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، ولم لا وهو لديه إمكانات كبيرة في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق بيئة اقتصادية مبتكرة، إذ تشير التقارير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما يصل إلى 320 مليار دولار إلى اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2030.

في السعودية وحدها، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار وبما يعادل 12.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للرياض.

والدليل الأكبر على تزايد الاهتمام العربي بالتقنيات الحديثة هو انضمام 11 دولة عربية إلى المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، من بين 83 دولة تضمنها التقرير لعام 2024.

وأطلقت مؤسسة “تورتويس إنتليغينس” التقرير الدوري العالمي منذ عام 2019 لقياس مدى تقدم الدول في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل الاستراتيجيات الوطنية، ومقارنتها بحجم الإنفاق الحكومي من خلال مؤشرات أساس عدة.

وتتضمن المؤشرات الأساس الاستراتيجية الحكومية والبيئة التشغيلية والبنية التحتية والأبحاث والتطوير والكفاءات والتجارة، وتضم 122 مؤشراً فرعياً تعتمد على بيانات القطاعين العام والخاص.

ووفقاً للتقرير جاءت السعودية في المرتبة الـ14 عالمياً والأولى عربياً ضمن المؤشر العالمي، بينما حلت الإمارات في المرتبة الـ20 عالمياً والثانية عربياً، في حين جاءت مصر في المرتبة الـ52 عالمياً والثالثة عربياً.

واحتلت قطر المرتبة الـ54 عالمياً والرابعة عربياً ثم البحرين في المرتبة الـ62 عالمياً والمرتبة الخامسة عربياً، يليها الأردن في المرتبة الـ63 عالمياً والسادسة عربياً، ثم عمان في المرتبة الـ64 عالمياً والسابعة عربياً، بينما جاءت تونس في المرتبة الـ71 عالمياً والثامنة عربياً، في حين جاء العراق في المرتبة الـ77 عالمياً والتاسعة عربياً، ثم المغرب في المرتبة الـ79 عالمياً والـ10 عربياً، وأخيراً الجزائر في المرتبة الـ80 عالمياً والـ11 عربياً.

وعلى المستوى العالمي، تواصل الولايات المتحدة قيادة التصنيف للمؤشر فيما احتفظت الصين بالمرتبة الثانية، إذ تتقدمان في التقرير بفارق كبير عن بقية الدول.

وتحتفظ سنغافورة بالمرتبة الثالثة، إذ تعد الأكثر ديناميكية في الذكاء الاصطناعي داخل آسيا بعد الصين، فيما احتفظت بريطانيا بالمركز الرابع وتبعتها فرنسا.

“آلات” المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة

يُتوقع أن يؤدي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي داخل المنطقة العربية إلى تحسين الكفاءة والإنتاجية من خلال أتمتة العمليات وتحليل البيانات الضخمة، مما يقلل من الكلف التشغيلية علاوة على خلق فرص عمل جديدة في مجالات تطوير وصيانة تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تحفيز الابتكار عبر تطوير منتجات وخدمات جديدة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ويمثل الاستثمار العربي في الذكاء الاصطناعي خطوة استراتيجية نحو تعزيز النمو الاقتصادي وخلق بيئة اقتصادية متطورة ومبتكرة.

و”تسعى السعودية التي تحتل المرتبة الأولى بين العرب إلى أن تكون قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي”، وفقاً لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”، إذ تقول إن الرياض خلال فبراير (شباط) 2024 أنشأت شركة “آلات” المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي (الصندوق السيادي السعودي).

وتضيف الصحيفة الأميركية أن السعوديين يعتزمون استثمار ما يقارب من 100 مليار دولار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بحلول عام 2030، مع التركيز على التقنيات الأكثر حداثة مثل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات والحد من الانبعاثات والروبوتات والمدن الذكية.

وتأكيداً لوجهة نظر الصحيفة الأميركية، أعلنت شركة “وايدبوت” للذكاء الاصطناعي الرائدة في مجال تطوير حلول ومنتجات ونماذج الذكاء الاصطناعي المبتكرة، خلال الرابع من فبراير الجاري عن إنجاز غير مسبوق في المنطقة العربية، بعد استضافة نموذجها المتطور للذكاء الاصطناعي “عقل” على خوادم سحابية محلية داخل السعودية.

وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها على الإطلاق في مجال الذكاء الاصطناعي داخل السعودية، إذ يُستضاف نموذج ذكاء اصطناعي على خوادم سحابية محلية، مما يفتح آفاقاً جديدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

خوادم سحابية محلية داخل السعودية

وبحسب بيان صحافي لـ”وايدبوت”، قالت “تأتي هذه الخطوة في إطار التزام الشركة بدعم تحقيق رؤية السعودية 2030، إذ تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تحقيق رؤية السعودية 2030، وتسهم في تمكين التحول الرقمي وتسريعه وتحسين كفاءة العمليات، وتطوير خدمات جديدة وخلق فرص عمل مبتكرة”.

وتعليقاً على ذلك، قال الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة “وايدبوت” محمد نبيل إننا فخورون بتحقيق هذا الإنجاز التاريخي، باستضافة نموذجنا “عقل” للذكاء الاصطناعي على خوادم سحابية محلية داخل السعودية”.

وتابع “هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي في الرياض، وتؤكد التزامناً بدعم رؤية السعودية 2030 الطموحة”.

وأوضح أن استضافة نموذج “عقل” محلياً تحمل فوائد كثيرة للشركاء والعملاء في القطاعين الحكومي والخاص، إذ ستتمكن القطاعات التي تتعامل مع بيانات وملفات حساسة مثل الوزارات والبنوك ومؤسسات القطاع الطبي وغيرها، من الاستفادة من نموذج “عقل” للذكاء الاصطناعي التوليدي دون خوف أو قلق بسبب امتثاله للوائح الحكومية داخل السعودية والتوافق مع “سدايا” بصورة كاملة.

في الـ13 من فبراير الجاري أيضاً وقعت مجموعة “stc” السعودية 75 اتفاقاً استراتيجياً مع كبرى الشركات التقنية، أبرزها اتفاق مع “أمازون ويب سيرفيسز” لتسريع نشر الخدمات السحابية والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي عبر السعودية، وآخر مع “نوكيا” لتسريع تطوير ونشر شبكات الجيل السادس “6G” واختبار شبكات النفاذ المعرفة بالبرمجيات “SDAN”، علاوة على اتفاق آخر مع شركة “هواوي” لإطلاق أول شبكة ألياف ضوئية خاملة “PON” بسعة 50 غيغابايت في المنطقة لدعم التوسع السريع في شبكات الجيل الخامس”5G”.

وأعلنت المجموعة خلال مؤتمر دولي عن إطلاق منصة “stc.AI”، التي تمثل نقلة نوعية في تمكين المؤسسات من اعتماد الذكاء الاصطناعي، من خلال تحليلات البيانات الذكية والأتمتة، وتحسين تجربة العملاء.

39.8 مليار دولار قيمة سوق تكنولوجيا المعلومات خلال 5 أعوام بالكويت

“نيويورك تايمز” أشارت إلى أن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي لا ينصب على السعودية فحسب، إذ إن “رؤية الكويت 2035” ترتكز على تنويع الاقتصاد بعيداً من النفط، وتحويل البلاد إلى مركز مالي إقليمي.

وتشكل خريطة طريق التحول الرقمي في الكويت جزءاً أساساً من “رؤية 2035″، وتشمل الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكار وإنشاء نظام بيئي رقمي يدعم الشركات الناشئة ورجال الأعمال.

ولفتت الصحيفة إلى أن قيمة سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الكويت وصل إلى 22.48 مليار دولار خلال عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 39.83 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

و”تعد أن صناعة الاتصالات في الكويت متقدمة بخدمات الجيل الخامس والسادس، وكابلات الألياف الضوئية والاتصال عبر الأقمار الاصطناعية، وإمكانية الوصول إلى شبكة “الواي فاي” في جميع أنحاء البلاد، ونحو 99.4 في المئة من السكان لديهم اتصال بالإنترنت في المنزل، وتصل شبكة الجيل الخامس إلى نحو 97 في المئة من السكان وفق ما ذكرت منصة “إدارة التجارة الدولية”.

مصر تسعى إلى وصول الصادرات الرقمية إلى 9 مليارات دولار

خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أطلقت الحكومة المصرية استراتيجية اقتصادية شاملة مكونة من ثمانية محاور للفترة 2024-2030، تتناول وثيقتها جوانب عدة تتعلق بالاقتصاد وجودة الحياة.

وتهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق مليون فرصة عمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بما في ذلك تصميم الإلكترونيات والبرمجيات وأشباه الموصلات، وزيادة صادرات الإلكترونيات بنسبة 20 في المئة في الأقل، ورفع عدد المتدربين في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى مليون متدرب، وفق ما ذكرت صحف مصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشمل الجهود المحددة خلال الفترة 2024-2030 التركيز على البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعلى سبيل المثال تهدف الحكومة إلى توسيع نطاق تغطية النطاق العريض على مستوى البلاد، واستبدال كابلات الألياف الضوئية بشبكات النحاس، وزيادة عدد أبراج الهاتف المحمول إلى 50 ألف برج بحلول عام 2030.

ومن المتوقع أن يسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل مصر بنسبة ثمانية في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2030، وهي زيادة على النسبة الحالية البالغة 5.8 في المئة المسجلة عام 2023، ومن المتوقع أيضاً أن تصل الصادرات الرقمية إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026.

المغرب… سوق الذكاء الاصطناعي يصل إلى أكثر من مليار دولار عام 2030

وصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في المغرب إلى 256 مليون دولار أميركي عام 2024، ومن المتوقع أن يبلغ 1.151 مليار دولار بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي قدره 28.46 في المئة خلال هذه الفترة وفقاً لمنصة “ستاتيستا”.

واستثمر المغرب بصورة استراتيجية في الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة كجزء من مبادرات التحول الرقمي الأوسع نطاقاً.

وتتمثل إحدى النقاط المحورية لهذه الاستثمارات في “مبادرة حركة الذكاء الاصطناعي لجامعة محمد السادس متعددة التقنيات”، والتي أطلقت برامج بحث وتعليم الذكاء الاصطناعي لتعزيز تنمية المهارات والابتكار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويسلط هذا البرنامج الضوء على تركيز المغرب على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات لدفع التحديث الاقتصادي ومعالجة التحديات في الزراعة والصحة والطاقة.

وتؤكد سياسات المغرب في شأن الذكاء الاصطناعي كما ذكرت منظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية”، على بناء نظام بيئي صديق للذكاء الاصطناعي يشجع الشراكات مع القطاع الخاص والتعاون الدولي.

نقلاً عن : اندبندنت عربية