فكرة التلاعب بالميكروبات النافعة للإنسان أثناء وجوده أو حياته المستقبلية المتوقعة في الفضاء، هي فكرة تعبّر عن علم حديث طموح لكنه ما زال في بداياته. على رغم ذلك أكدت دراسة للمركز الوطني الحكومي الأميركي للمعلومات المعروف اختصاراً بـ (NLM) أن ذلك ممكن من خلال استهداف هذه الأجسام الصغيرة التي تنتشر على كامل مساحة جسم رائد الفضاء والتحكم بها، لتصبح ذات نفع أكبر لرواد الفضاء خصوصاً الذين يقضون أعواماً خارج مدار الأرض. وتقول الأبحاث التي تعمل في هذا الشأن إنها تعتمد على تعزيز كفاءة البكتيريا النافعة لجسم الإنسان عن طريق تحفيز جهاز المناعة الطبيعي لرواد الفضاء قبل وبعد العودة من الفضاء.

ما هي البكتيريا النافعة؟

يتكون جسمنا من تريليونات البكتيريا التي تتساوى مع عدد الخلايا البشرية التي لدينا، ويحتوي الجهاز الهضمي (GIT) وحده على 100 تريليون بكتيريا، تتكون من 1000 نوع مختلف و7000 سلالة و3.3 مليون جين ميكروبي. وتعد المجتمعات الميكروبية التي تستعمر أجزاء مختلفة من أجسامنا مهمة في تعزيز الصحة، من خلال تصنيع الفيتامينات التي لا يستطيع المضيف صنعها، وإنقاذ الجسم من المركبات غير القابلة للهضم، وخلق بيئة تنافسية لمنع استعمار البكتيريا الضارة المسببة للأمراض، وتعزيز نضج وتنظيم جهاز المناعة، والمساهمة في نمو الأوعية الدموية وتكوينها وغيرها الكثير. وأكدت الدراسة أنه إذا تعطل هذا التوازن بين البكتيريا النافعة لجسم الإنسان (الميكروبيوم) والضارة ولو بصورة طفيفة، فإنه سيحدث انهيار في التوازن مما يؤدي إلى المرض.

المجتمعات الميكروبية

يشار إلى هذه المجتمعات الميكروبية الموجودة داخل أجسامنا وخارجها، باسم “الميكروبيوم البشري” وهو مصطلح صاغه عالم البيولوجيا الجزيئية الأميركي جوشوا ليدربرغ (1925 ـ 2008) الذي تقاسم جائزة نوبل في الطب لعام 1958 مع إدوارد تاتوم وجورج بيدل، وذلك لاكتشافه إمكانية التزاوج وتبادل الجينات بين البكتيريا. وظهر المصطلح للمرة الأولى في عام 2001 للإشارة إلى المجتمع البيئي للكائنات الحية الدقيقة المتوافقة والتكافلية والمسببة للمرض التي تشترك معنا حرفياً في كامل مساحة أجسامنا. وتتكون هذه الكائنات الحية الدقيقة من العتائق وحقيقيات النوى (الفطريات والطلائعيات) والفيروسات، حيث تشكل البكتيريا غالبية الكائنات الحية الموجودة منها وبنسبة 99 في المئة.

دراسة صيدلانية

خرجت الدراسة العلمية الصيدلانية التي نشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية  (NLM)على موقعه الرسمي، بمجموعة من الاستنتاجات عن كيفية تكيّف البكتيريا النافعة لجسم الإنسان أو ما يسمى في بعض الأبحاث اختصاراً “الميكروبيوم” مع الحياة في الفضاء. وتختلف هذه الدراسة عن سابقاتها من حيث المنهج العلمي العملي الذي انتهجته. إذ شملت أقسام الدراسة على مقدمة وعدّة صفحات أخرى حول الميكروبيوم البشري ورحلات الفضاء وميكروبيوم رائد الفضاء ورحلات الفضاء والميكروبيوم والمناعة. إضافة إلى ذلك احتوت الدراسة توضيحاً لتأثير البيئة خارج مدار الأرض على ميكروبيوم رائد الفضاء والذي يشكل البكتيريا النافعة لجسم الإنسان. أما بقية أقسام الدراسة الحكومية فتناولت الميكروبيوم وصحة العظام والفروق بين الجنسين في هذا المجال. وانتهت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات كان أهمها على الإطلاق التوصية بدمج بيانات الميكروبيوم الخاصة برواد الفضاء في خطط الصناعات والهيئات الحكومية التي تصمم بعثات مأهولة مستقبلية خصوصاً الرحلات التي هدفها استعمار القمر والمريخ بصورة دائمة.

فحوى الدراسة الوطنية

يعمل المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة(NLM)  على تطوير العلوم والصحة من خلال توفير الوصول إلى المعلومات الطبية الحيوية والجينية. وفي هذا السياق وفرت المكتبة الأميركية أخيراً بحثاً صيدلانياً مفصلاً حول فهم تعقيدات وتغيرات ميكروبيوم رائد الفضاء للبعثات الفضائية الناجحة طويلة الأمد. وشارك في إعداد ونشر البحث هذه المرة أربعة من الباحثين هم دوناتيلا تيسي، وآنا جوتشينكو، وآن أم لينش، وكاميلا أوربانياك إضافة إلى محرر المادة: كريستوفر أتش هاوس. على رغم ذلك أكدت المكتبة أنها توفر الوصول إلى الأدبيات العلمية، ولا يعني إدراج البحث في قاعدة بياناتها تأييد محتوياته أو حتى موافقة المعاهد الوطنية للصحة عليها.

نهج الدراسة

اعتمدت الدراسة على بحث ثلاثة عوامل رئيسة هي رحلات الفضاء والمضيف والميكروبيوم. وجاء في مقدمتها: كان البشر يستكشفون الفضاء على مدار العقود الماضية، ومع إنشاء محطة الفضاء الدولية، كان بعضهم يعيش ويعمل في الفضاء بشكل مستمر على مدار الأعوام الـ21 الماضية. ويتحمل رواد الفضاء العديد من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية أثناء وجودهم في الفضاء بسبب الجاذبية المتغيرة والإشعاع والحبس. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن بعض الآثار الجانبية لرحلات الفضاء المعروفة سابقاً تمثلت في لين العظام، وضمور العضلات وتغيّر بنية العين والتدهور المعرفي أو فقدان القدرة على التركيز، وإعادة توزيع السوائل وغيرها. إلا أن الدراسات الحديثة انتبهت أخيراً إلى خلل الجهاز المناعي وذلك لأن البحث في التغييرات التصنيفية والوظيفية لميكروبيوم رائد الفضاء كان أقل دراسة على مدى تلك الأعوام بسبب اعتقاد خاطئ مفاده بأنه أقل تأثيراً على صحة رواد الفضاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هدفها

تكمن أهمية الدراسة الحكومية مقارنة بغيرها من الدراسات في الجامعات ومراكز الأبحاث في كونها أعلنت بوضوح أنها ستناقش في هذه المراجعة المستفيضة التغييرات في ميكروبيوم رائد الفضاء نتيجة لرحلات الفضاء أو ما يعرف بالضغوطات قبل الرحلة وبعدها. والأهم من ذلك هو أنها قدّمت توصيات للصناعات والهيئات الحكومية التي تصمم بعثات مأهولة مستقبلية إلى القمر والمريخ حول كيفية دمج بيانات الميكروبيوم في خططها لتلك الرحلات، كما أوردت أهم الطرق التي يمكن من خلالها “التلاعب” بالميكروبيوم لضمان استكشاف بشري ناجح طويل الأمد خارج مدار الأرض المنخفض.

نقلاً عن : اندبندنت عربية