باتت الهجرة غير الشرعية للأفارقة موضوعًا حيويًا على الساحة في شمال أفريقيا وأوروبا، خاصة في دول مثل إيطاليا وفرنسا. إذ تتبادل الحكومات المعنية الاتهامات في هذا الملف المعقد. في وقت سابق، تبنت باريس سياسة ترحيل “المشبوهين والمجرمين”، بينما اعتمدت روما على فكرة العودة الطوعية للمهاجرين. في حين تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد لحل الأزمة التي يعاني منها بلاده. أما في ليبيا، فالوضع الهش يضيف مزيدًا من الغموض حول هذا الملف، بينما تتخذ الجزائر مواقف متباينة بين الترحيل أحيانًا وتجاهل القضية في أحيان أخرى.

مبادرة إيطالية في مواجهة الهجرة: هل هي فعلاً الحل؟

أثارت المبادرة الإيطالية التي خصصت 20 مليون يورو (حوالي 22 مليون دولار) لإعادة المهاجرين من دول شمال أفريقيا إلى أوطانهم الكثير من التساؤلات. فهل تهدف هذه المبادرة إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية، أم أن الهدف هو تحويل دول شمال أفريقيا إلى حراس للحدود الأوروبية؟

وفي حين أصرّت الخارجية الإيطالية على أن المبادرة تهدف إلى تطوير وتنظيم عمليات العودة الطوعية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وإحترام حقوق الإنسان، فإن الاتفاقيات التي أبرمتها روما مع تونس وليبيا، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته لهما، يثير شكوكًا حول وجود أجندة خفية وراء هذه الخطوة.

دور الدول الأصلية للمهاجرين

لا يمكن إغفال أن الدول الأصلية للمهاجرين، مثل بلدان غرب أفريقيا، تعاني من نزاعات داخلية وظروف اجتماعية صعبة، فضلاً عن غياب التنمية في كثير منها. ومع ذلك، فإن المبادرة الإيطالية تواجه تحديات عديدة، منها عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، كما أن الموقف التونسي في البداية كان رافضًا لفكرة أن تكون تونس معبرًا أو ملجأ للمهاجرين غير الشرعيين.

الخطوات العملية والمشاكل القانونية

الخطوات التي تتخذها إيطاليا، مثل الدعم المقدم لبرنامج العودة الطوعية لـ 3300 مهاجر، قد تبدو محدودة مقارنة بالعدد الهائل من المهاجرين غير الشرعيين، مما يجعلها محط انتقادات من البعض الذين يرون أن هذه المبادرة لا تعدو كونها “ذرًا للرماد في العيون”. ويشير الأستاذ مبروك كاهي إلى أن إيطاليا ربما تسعى لتكرار نموذج تركيا والمغرب في تحويل دول شمال أفريقيا إلى “حراس” للحدود الأوروبية مقابل مكاسب مالية ودبلوماسية.

مقاربة تونسية إنسانية ولكن

من جانبه، اعتبر الإعلامي التونسي نورالدين مباركي أن الحكومة التونسية تبنت خطابًا إنسانيًا في التعامل مع الهجرة غير الشرعية، ولكن على أرض الواقع لم تُقدم حلولًا شاملة. وقد شهدت تونس زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين الذين تم إعادة توطينهم في بلادهم طوعًا، بفضل الدعم الدولي. ومع ذلك، فإن ظاهرة المهاجرين في المناطق التونسية الجنوبية، مثل صفاقس، شهدت احتجاجات محلية بسبب التكدس السكاني للمهاجرين.

ليبيا والجزائر: مواقف متباينة

أما في ليبيا، فيبدو أن الحكومة الليبية تواجه تحديات إضافية، حيث تطالب إيطاليا بدعم عمليات الترحيل الطوعي، وتوفير المزيد من المساعدة في مكافحة الهجرة غير الشرعية. كما أن الجزائر، التي تواجه أيضًا تدفقًا كبيرًا من المهاجرين عبر حدودها الجنوبية، أكدت على أهمية التعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لدعم عمليات الترحيل.

الموقف الأوروبي: دعم أم إلقاء اللوم؟

تظل قضية الهجرة غير الشرعية في شمال أفريقيا محط اهتمام كبير من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يمول تدريبات لقوات الأمن في الدول المغاربية بهدف وقف تدفق المهاجرين. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات غالبًا ما تعرض المهاجرين لخطر الموت في الصحراء، إذ يتم التخلي عنهم في مناطق نائية دون موارد، مما يعرّضهم للوفاة بسبب الجفاف أو العنف.

الختام

إجمالاً، لا يبدو أن الحلول المترتبة على هذه المبادرات ستكون كافية لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في المنطقة. بل إن التعاون بين دول شمال أفريقيا وأوروبا يجب أن يرتكز على حلول قانونية ومشتركة تأخذ في الحسبان حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة في البلدان المصدرة للهجرة.