في السنوات الأخيرة، شهدت تونس تحولاً لافتاً في سوق الملابس، حيث تفوقت محال الملابس المستعملة، والمعروفة محلياً بـ”الفريب”، على المحال التقليدية التي تبيع الملابس المصنوعة محلياً، والتي تواجه ركوداً ملحوظاً. وانتشرت هذه المحال في مختلف أنحاء العاصمة تونس، والمناطق المحيطة بها، مما جعلها تهيمن على المشهد التجاري بشكل واضح.
الصناعة المحلية
تعود كلمة “الفريب” إلى مصطلح إيطالي “robba vecchia” الذي يعني الملابس القديمة، وكان في البداية يُستخدم لوصف تجارة الملابس المستعملة التي كان يتجول بها الباعة في المدن التونسية لشراء الملابس القديمة من السكان مقابل استبدالها بأجهزة منزلية جديدة. ومن ثم تطور هذا النشاط ليصبح تجارة قائمة على استيراد الملابس المستعملة من أوروبا والولايات المتحدة، تنظيفها وإعادة بيعها في الأسواق التونسية.
مخاوف من تأثير “الفريب” على الصناعة المحلية
هذه الظاهرة لم تقتصر على تأثيرها في السوق التجاري فحسب، بل بدأت تهدد قطاع صناعة الملابس التونسية العريقة التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي. مع تزايد إقبال التونسيين على ملابس “الفريب” بأسعار مغرية مقارنة بأسعار الملابس الجاهزة الجديدة، لاحظ العديد من أصحاب مصانع الملابس الجاهزة في تونس تراجعاً حاداً في الطلب على منتجاتهم. تيجاني الرقيق، صاحب مصنع صغير للملابس الجاهزة، أفاد بأن مبيعاته انخفضت بأكثر من 40% مقارنة بالأعوام السابقة، مما يعكس تأثير انتشار هذه المحال على قطاع الملابس المحلي.
سوق مزدهر رغم الأزمة الاقتصادية
لا يزال قطاع الملابس المستعملة يشهد إقبالاً متزايداً، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، حيث يواجه التونسيون صعوبة في اقتناء الملابس الجديدة ذات الأسعار المرتفعة. وقد أصبحت محال “الفريب” الوجهة المفضلة لعدد كبير من الفئات الاجتماعية، خصوصاً الشباب والعائلات، بحثاً عن ملابس بأسعار معقولة وجودة لا تقل عن تلك التي تباع في المحال التقليدية. وتظهر الإحصائيات أن قطاع الملابس المستعملة يوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل في البلاد، ويُدرّ عائدات كبيرة تُقدّر بحوالي 70 مليون دولار سنوياً.
تحديات تهدد مستقبل القطاع الصناعي
مع تزايد سيطرة “الفريب” على السوق التونسية، بدأ القطاع الصناعي المحلي في مواجهة تحديات كبيرة، خاصة في ظل أزمة هيكلية يعاني منها قطاع النسيج والملابس، والذي شهد غلق العديد من الشركات وفقدان الآلاف من فرص العمل. ووفقاً لتصريحات محسن بن ساسي، رئيس الغرفة الوطنية لتجارة الملابس الجاهزة، فإن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى اندثار صناعة الملابس التونسية التقليدية، داعياً الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية هذا القطاع الذي يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد المحلي.
الملابس المستعملة: حاجة اقتصادية أم تهديد صناعي؟
ورغم الاحتجاجات المتزايدة من قبل القطاع الصناعي المحلي، يرى البعض أن “الفريب” أصبح مخرجاً ضرورياً للعديد من الأسر التونسية التي تبحث عن حلول اقتصادية في ظل تراجع القدرة الشرائية. ومع استمرار تزايد الإقبال على الملابس المستعملة، أصبح من الضروري إيجاد توازن بين تشجيع الاستهلاك المحلي وحماية الصناعة الوطنية.