في مثل هذا اليوم من عام 1902، رحلت عائشة التيمورية، إحدى أبرز الشخصيات النسائية التي تركت بصمة بارزة في مسيرة النهضة الأدبية والاجتماعية والفكرية في مصر. لم تكن مجرد أديبة أو شاعرة، بل كانت رائدة في حركة التغيير، سبقت عصرها وفتحت الطريق أمام النساء للحصول على حق التعليم والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة.

عائشة التيمورية.. “توحيدة” كانت روحي

وُلدت عائشة إسماعيل التيمورية عام 1840 في حي درب سعادة بباب الخلق، في أسرة أرستقراطية ذات أصول شركسية. كان والدها إسماعيل باشا التيموري، ضابطًا في الجيش العثماني، ولكنه كان أيضًا رجل علم وفكر، حرص على تعليم ابنته، وهو أمر كان نادرًا في ذلك الوقت الذي كان التعليم النسائي مقتصرًا على المهارات المنزلية فقط.

لكن عائشة لم تقتصر على ذلك؛ فقد تعلمت اللغة العربية وأتقنت الفارسية والتركية، ودرست علوم النحو والصرف والعروض. كما كتبت العديد من الأعمال الأدبية، كان من أبرزها: «حلية الطراز»، «مرآة التأمل في الأمور»، و«نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال»، الذي تناول فيه جوانب من حياتها الشخصية، خاصة علاقتها بابنتها “توحيدة” التي رحلت في سن صغيرة.

تزوجت عائشة في سن الرابعة عشرة من محمد بك توفيق، ابن حاكم السودان، وأنجبت ثلاثة أبناء، وكان أقربهم إلى قلبها ابنتها الكبرى “توحيدة”. في كتابها «نتائج الأحوال»، وصفت عائشة علاقتها بتوحيدة قائلة:

“بعد انقضاء عشر سنوات كانت الثمرة الأولى من ثمرات فؤادي، وهي توحيدة نفحة نفسي وروح أنسي، قد بلغت التاسعة من عمرها، فكنت أتمتع برؤيتها تقضي يومها بين المحابر والأقلام، وتنسج بأبرتها بدائع الصنائع.”

وتحدثت أيضًا عن نضج ابنتها المبكر قائلة:

“لما بلغت ابنتي الثانية عشرة من عمرها، عمدت إلى خدمة أمها وأبيها، فضلاً عن مباشرتها إدارة المنزل، فتمكنت من متابعة دروسي التي كانت تواظب على حضورها، حتى أتقنت العروض أكثر مني.”

لكن هذه العلاقة الرائعة بين الأم وابنتها تعرضت لانقطاع مفاجئ حينما رحلت “توحيدة” في ريعان شبابها، ليشكل هذا الحدث صدمة في حياة عائشة، ويدفعها إلى كتابة قصائد حزن ورثاء لأبنائها، واحدة من أشهرها تعتبر من أروع ما قيل في الشعر النسائي العربي.

رغم الحزن العميق الذي عاشت فيه، استمرت عائشة في الكتابة والدعوة إلى تعليم المرأة، وناقشت العديد من القضايا الاجتماعية الهامة مثل حقوق المرأة في الإرث والتعليم، كما طرحت مفاهيم حول القوامة والعلاقات بين الرجل والمرأة. ومع ذلك، كانت دائمًا تؤكد على “الحرية المحتشمة” التي تنسجم مع القيم والمبادئ الاجتماعية.

رحلت عائشة التيمورية في 12 مايو 1902 عن عمر يناهز 62 عامًا، تاركة إرثًا فكريًا وأدبيًا مهمًا، ساهم في تمهيد الطريق للعديد من المفكرات والأديبات المصريات. اليوم، وبعد أكثر من قرن على رحيلها، لا يزال اسمها يتردد في كتب الأدب والمدارس والجامعات، شاهدة على إسهاماتها العظيمة في مسيرة المرأة المصرية نحو العلم والحرية.

رحم الله عائشة التيمورية، الأديبة والمفكرة، الأم المخلصة التي أحبّت ابنتها حتى آخر لحظة، وظلت صوتًا حيًا في ذاكرة النساء المصريات.