على الرغم من التطور التكنولوجي السريع الذي أدى إلى اختفاء العديد من الحرف التقليدية، لا تزال صناعة الدمى المصنوعة من القش وقطع القماش في الجزائر تكافح من أجل البقاء. هذه الحرفة العريقة التي تزخر بها البلاد منذ العهد العثماني، تجد نفسها اليوم في مواجهة الغزو الصناعي والتجاري للدمى البلاستيكية والسيليكون، لكنها تصر على الصمود بفضل مبدعين يرفضون التخلي عن إرث الأجداد.

تاريخياً، كان لمسرح العرائس، المعروف محلياً بـ”القراقوز” أو “الأراجوز”، دور بارز في الحياة الثقافية الجزائرية، حيث انتشر على نطاق واسع في المدارس والمسارح ودور السينما. لكن مع مرور الوقت، تقلص نشاط هذا الفن إلى مهرجانات وجلسات قليلة، في حين تستمر الحرف اليدوية في التمسك بحضورها رغم الصعوبات.

من بين الفعاليات التي تحيي هذا التراث، يأتي “الصالون الوطني للنشاط المصغر”، الذي يعرض الدمى القماشية ليس فقط كعروض مسرحية، بل كوسيلة للترويج للملابس التقليدية الجزائرية، محافظاً بذلك على الثقافة والهوية المرتبطة بهذه الحرفة العريقة.

تروي الحرفية صليحة آيت حسان، المتخصصة في صناعة الدمى وعرض الأزياء التقليدية، كيف بدأت رحلتها منذ طفولتها بحب التقليد والابتكار، وكيف تحول شغفها إلى مشروع مدعوم من الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، مكنها من اقتناء المواد اللازمة لتصميم أزياء الدمى. وتحلم اليوم بإنشاء مصنع متكامل لإنتاج الدمى التقليدية.

أما مهرجان “أيام إيراثن” فهو فرصة لإحياء عروض مسرح العرائس “القراقوز” التي تمثل جزءاً من الثقافة الشعبية الجزائرية، كما يؤكد علي بودارن، رئيس الجمعية المنظمة، مشيراً إلى دور العرائس في تشكيل ذكريات أجيال كاملة من الأطفال.

يرجع تاريخ مسرح الدمى إلى العصور القديمة، حيث استخدم الإنسان هذه الوسيلة لنقل الأفكار والمشاعر، وازدهر في العالم العربي خلال القرن الـ14. ويتميز هذا الفن بأبعاده التعليمية والترفيهية، إذ تناول عبر عروضه مواضيع مهمة مثل الصحة والنظافة والتغذية، ليكون أداة فنية تهدف إلى توجيه المجتمع نحو الفضائل.

الحرفية سمية كروش تشير إلى أن الدمى التقليدية تعكس الحياة الاجتماعية والعادات الأصيلة لكل منطقة دون تعديل، لكنها تعاني من نقص في الإمكانات وقلة التسويق، مما يجعل مستقبلها غير مضمون. وتؤكد أن هذه الحرفة تحمل إرثاً فكرياً وثقافياً يجب المحافظة عليه في مواجهة انتشار الدمى الصناعية.

تاريخياً، كانت صناعة الدمى ومسرح العرائس تهدد الاستعمار الفرنسي، الذي أصدر في 1843 قراراً بحظر هذه الفنون في الأماكن العامة خوفاً من تأثيرها الفكري على الشعب الجزائري.

اليوم، تعمل التعاونيات والمراكز الثقافية على إعادة إحياء هذه الحرفة، من خلال تكثيف العروض المسرحية في المدارس والساحات العامة، كما يوضح لخضر مكاوي، نائب رئيس التعاونية الثقافية “فن بلادي”، مشيراً إلى تزايد اهتمام الأطفال بهذه العروض التي تجمع بين الحكاية والتاريخ والتربية.

ويشدد مكاوي على أهمية دعم هذه الحرفة من خلال التنسيق بين الجهات الثقافية والفنية والتعليمية والإعلامية، فضلاً عن الدعم الرسمي لتعزيز حضور مسرح الدمى في الحياة الثقافية الجزائرية.