كيف أغرقت “جماعة المتطوعين” الدول الأفريقية بالأسلحة الليبية المهربة؟

مشكلة الأسلحة الليبية الموجودة خارج الأطر القانونية تطل برأسها من جديد، ولكن هذه المرة من أفريقيا حيث وصل صداها إلى حد تهديد أمن مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة لليبيا على غرار النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، وفق تقرير لمجلة “منبر الدفاع الأفريقي” التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، إذ أكد التقرير أن ليبيا “تحولت إلى مصدر رئيس لتغذية الطغم العسكرية التي تحكم بوركينا فاسو ومالي والنيجر بالأسلحة المصنوعة في روسيا”. وكشف التقرير نقلاً عن مسؤولين بوزارة الدفاع النيجيرية عن أن “الإرهابيين الذين يجتاحون شمال نيجيريا يتسلحون بأسلحة خرجت من ليبيا”. وسبق أن قالت الأمم المتحدة إن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، يقدر بما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد.

29 مليون قطعة

وما فتئت الأمم المتحدة تشدد على تخوفها من تداعيات كمية الأسلحة المنتشرة في البلد على السلم والأمن الاجتماعيين، محذرة من أن استمرار وجودها خارج أطرها القانونية سيفاقم أزمة ليبيا المنقسمة على نفسها سياسياً وعسكرياً منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي في عام 2011.
وقدرت الأمم المتحدة في تقرير لها صادر في عام 2020 عدد قطع السلاح في ليبيا بـ29 مليون قطعة، بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وهو عدد لم يسجل في أي بلد آخر خلال 40 عاماً الماضية، وفق التقديرات الأممية، التي أكدت بدورها أن هذا الانتشار الواسع للسلاح أسهم في انتعاش خلايا الإرهاب النائمة في ليبيا والدول الأفريقية المجاورة لها باعتبار أن هذه المجموعات المتطرفة تنتعش على تجارة السلاح.
ويذكر أن اتساع رقعة الأسلحة غير الخاضعة للرقابة القانونية لوحظ مباشرة بعد وصول مجموعة “فاغنر” الروسية إلى الأراضي الليبية في عام 2019 لدعم قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي خليفة حفتر أثناء حربه على العاصمة الليبية طرابلس التي شنها في الرابع من أبريل (نيسان) 2019.

المتطوعون الأفارقة

في السياق أكد العقيد ركن المتقاعد من القوات المسلحة الموريتانية البخاري مؤمل صحة المعلومات التي تناولها تقرير “أفريكوم” حول تأثير الأسلحة المهربة من ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي على منطقة الساحل الأفريقي، منبهاً إلى “إهمال التقرير لطرق تهريب الأسلحة الليبية”، وقال إن “أساليب عدة استعملت لعبور الأسلحة الليبية إلى الحدود الأفريقية على يد جماعات مختلفة يبقى أولها وأخطرها ‘جماعة المتطوعين’ التي تعرف ليبيا جيداً، إذ سبق وتدربت على أراضيها، وهي مجموعات جند العقيد الراحل معمر القذافي عدداً منها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي”.
وتابع العقيد الموريتاني “كنت شخصياً متدرباً مبعوثاً من طرف السلطات الموريتانية آنذاك وكنت ألاحظ وجود ما يسمى بالمتطوعين، أكثرهم من جنسيات أفريقية، وكان النظام الليبي يتعاون مع هؤلاء المتطوعين في ما بعد حتى يتحولوا إلى عناصر ضمن الكتائب المسلحة في ليبيا”، وتابع أنه “عندما أسقط النظام انتقل كثيرون منهم بصورة منظمة في صورة وحدات مسلحة إلى بلدانهم الأصلية ومعهم أسلحتهم، ومن بينهم الكتائب التي جاءت إلى مالي، وكان عدد كبير منهم من طوارق مالي. جاؤوا كوحدات منظمة ومسلحة ودخلوا إلى الأراضي المالية، بعدما سمحت السلطات الرسمية المالية بدخولهم رفقة أسلحتهم، ظناً منها أنها ستدمجهم في قواتها الأمنية الرسمية، غير أن هذه المجموعات (المتطوعون سابقاً في ليبيا) انقلبت على مناطق عدة في مالي وتعاونت في مرحلة لاحقة مع ما عرف بتنظيم ‘القاعدة في المغرب العربي’ التي انقلبت هي الأخرى عليهم، وتمكنت من السيطرة على الأرض وعلى كثير من الأسلحة المهربة من ليبيا إلى مالي”.

تورط غربي 

وواصل العقيد الركن الموريتاني المتقاعد حديثه قائلاً إن “الانتشار الفوضوي للأسلحة الليبية المهربة إلى أفريقيا جعل هذه الأسلحة تباع مثلما يباع الرز”، موضحاً أنها “تباع عن طريق تجار الأسلحة بالسوق السوداء في كل من السودان والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا ومالي، وغيرها من الدول الأفريقية”. ولفت إلى أن “مجموعة المتطوعين لا تبيع الأسلحة، مهمتها تقف عند تهريبها من ليبيا فحسب، البيع يكون عن طريق تجار الأسلحة”.

وكشف المتحدث ذاته عن أن “الأسلحة الليبية المهربة التي سمحت بدخولها السلطات الرسمية لعدد من البلدان الأفريقية على غرار مالي ونيجيريا والنيجر، استخدمت في ما بعد لاحتلال ونهب مخازن أخرى في هذه الدول التي تحولت بدورها إلى مصدر تسليح للجماعات الإجرامية، سواء تلك المؤدلجة تحت شعار سياسي أم المعروفة بتطرفها”، منوهاً بأن “التقرير الصادر عن الأفريكوم أغفل الدور الرئيس للنظامين السياسيين في كل من فرنسا والولايات المتحدة اللتين أسهمتا في تهريب الأسلحة الليبية وزعزعة الاستقرار الأمني في القارة السمراء”. وأوضح أن “التقرير ورط ليبيا فقط في هذه المعضلة، غير أن الأنظمة السياسية الغربية المذكورة سلفاً هي من عملت على الإطاحة بالنظام الليبي وخلق ما يسمي بـ”الفوضى الخلاقة”، التي ولدت من رحمها فوضى غرقت فيها البلدان الأفريقية”.
وقال إن “أبرز دليل على تورط كل من أميركا وفرنسا في تهريب الأسلحة الليبية إلى الدول الأفريقية هو اعتراف الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما بعد خروجه من السلطة بأن أكبر خطأ جيو استراتيجي ارتكبه هو دعمه لسياسة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للإطاحة بنظام معمر القذافي، إضافة إلى اعتراف الرئيس الحالي إمانويل ماكرون هو الآخر بأن الإطاحة بالقذافي كانت خطأ استراتيجياً فادحاً”، وزاد أن “الاعتراف بالخطأ لا يمكنه حل هذه المشكلة، خصوصاً أن هذه الدول التي ثبت تورطها في إغراق الدول الأفريقية بالأسلحة الليبية المهربة تحولت إلى أسواق مفتوحة لتجارة السلاح، لأن السلاح الليبي سقط في يد قوات أفريقية غير شرعية تسببت في نهب أسلحة أخرى من بلدان منطقة الساحل الأفريقي، مما فاقم الأزمة التي تعيشها حالياً عدد من دول القارة الأفريقية، لاسيما أن تلك الأنظمة العسكرية المتعاقبة على كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو هي الأخرى صار بينها وبين الدول الغربية عداء، إذ طردت القوات الفرنسية والقوات الأميركية وقوات الأمم المتحدة التي كانت تقدر بـ10 آلاف عنصر وطردت قوات الاتحاد الأوروبي، ما نتج منه من فراغ أمني حاولت الأنظمة العسكرية الحاكمة في عدد من الدول الأفريقية تعويضه في ما بعد عن طريق الفيلق الأفريقي الروسي، وريث فاغنر، لكنه لم يتمكن من كسب ثقة المواطنين ولا القوات غير القانونية في بلدان الساحل الأفريقي، بل أن الفجوة اتسعت بين الفيلق الأفريقي الروسي وبين هذه القوات المسلحة في تلك الدول الأفريقية”. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

​​​​​​​
الدور الروسي 

وتعليقاً على خطورة إغراق الدولة الأفريقية بالأسلحة الليبية المهربة، أكد المتخصص بالشأن العسكري الليبي العقيد عادل عبدالكافي، أن “تدفق الأسلحة والذخيرة الليبية إلى دول الساحل والصحراء وغرب أفريقيا جاء نتيجة التغلغل الروسي عبر شمال أفريقيا، انطلاقاً من ليبيا، المركز الرئيس لمرتزقة فاغنر سابقاً والمعروفة حالياً بالفيلق الأفريقي الروسي الذي يحتل أجزاء من الأراضي الليبية، إذ يتمركز في أهم القواعد العسكرية وأكثرها استراتيجية كـ “قاعدة الجفرة ” و”قاعدة براك الشاطئ” و”قاعدة الويغ” و”قاعدة الخروبة” التي تقع على بعد 80 كيلومتراً جنوب مدينة بنغازي بالشرق الليبي الذي يسيطر عليه حفتر وأبنائه”، مؤكداً أن “الفيلق الأفريقي الروسي أنشأ موقع تمركز رئيس خاص به بمنطقة الرجمة” (شرق). 

ورأى عبدالكافي أن “روسيا هي المتورط الرئيس في إغراق الدول الأفريقية بالأسلحة الليبية المهربة، إذ أصبحت تتخذ من الأراضي الليبية مقراً لعقد تحالفات دولية وللاتجار بالأسلحة، وجميعها مهمات موكلة للفيلق الأفريقي الروسي الذي يمثل الذراع العسكري لروسيا في أفريقيا”. وأضاف أن “روسيا أرسلت شحنات أسلحة بكميات ضخمة إلى ليبيا عبر ميناء طبرق (شرق) وعن طريق عدد من المطارات الواقعة تحت سيطرة قائد القوات المسلحة بالشرق خليفة حفتر وأبنائه ليتم شحن كميات كبيرة منها في ما بعد إلى بوركينا فاسو ومالي والنيجر والسودان، وآخر شحنة مرسلة من ليبيا كانت لقوات الدعم السريع بالسودان غير أنها سقطت في قبضة الاستخبارات العسكرية السودانية في المثلث الحدودي بين ليبيا والتشاد والسودان”.

ولفت عبدالكافي إلى أن “تهريب الأسلحة الليبية إلى النيجر أسهل، لأن حدود ليبيا والنيجر غير مسيطر عليها، كونها تحت سيطرة معسكر الرجمة والفيلق الأفريقي الروسي الذي عزز من وجوده في ليبيا، وفي دول الساحل والصحراء الأفريقية عبر دعم الأنظمة هناك عسكرياً، إذ عمل على دعم قوات المجلس العسكري ببوركينا فاسو وقاد عمليات عسكرية مشتركة أيضاً في جمهورية أفريقيا الوسطى وضغطت روسيا بذراعها العسكري (فاغنر سابقاً والفيلق الأفريقي الروسي حالياً) على الأنظمة في مالي والنيجر لطرد 1100 جندي و100 ضابط تابعين لقوات أفريكوم الأميركية من تشاد”، وقال المتخصص بالشأن العسكري إن “تداعيات الخروج الأميركي من دول الساحل والصحراء ودول غرب أفريقيا أدى إلى اتساع رقعة المرتزقة الروس الذين عملوا على نشر الأسلحة والذخيرة وتجنيد المقاتلين الأفارقة في الحروب سواء في أوكرانيا أم في عملياتهم الأمنية في أفريقيا”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية