بحكم موقها الجغرافي الرابط بين المغرب العربي المتاخم لأوروبا ودول الصحراء وحدودها الشاسعة، ووجودها في محيط إقليمي مضطرب، باتت موريتانيا بلد عبور واستقرار للمهاجرين غير النظاميين.
وتُظهر الأرقام الرسمية الموريتانية أن السلطات في هذا البلد الذي أصبح قبلة لشباب دول الساحل الأفريقي، أبعدت هذا العام أكثر من 10 آلاف مهاجر، أي بزيادة 14 في المئة عن العام الماضي الذي أبعد فيه أكثر من 9 آلاف أجنبي.
قلق رسمي
قال وزير الداخلية وترقية اللامركزية والتنمية المحلية محمد أحمد ولد محمد، إن عملية إحصاء المهاجرين التي قامت بها الدولة الموريتانية نهاية العام الماضي مكنت من إحصاء أزيد من 130 ألف مهاجر في العاصمة نواكشوط وحدها.
وأضاف الوزير في عرض لمشروع قانون يعدل بعض أحكام قانون قديم يتضمن الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة أمام البرلمان الموريتاني، أن “أعداد المهاجرين غير النظاميين تعطي صورة عن مدى التوسع المخيف لهذه الظاهرة”. مبيناً أن تزايد المهاجرين في موريتانيا “يخلق تحديات متنامية على جميع الصُعد”.
وكان وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم مرزوك حذر أمام لجنة مانحين من خطر هؤلاء المهاجرين على التعايش السلمي.
وسبق أن أظهرت أرقام إحصاء تم إجراؤها في موريتانيا قبل أشهر بلوغ أعداد الأجانب المنحدرين من دول الساحل الأفريقي أكثر من 10 في المئة غالبيتهم نازحون من مالي المجاورة التي تعيش أوضاعاً أمنية مضطربة منذ عقد، إضافة إلى مئات الآلاف من شباب دول الساحل التي تحولت إلى بيئة طاردة منذ أعوام.
ويرى منسق شعبة التنمية المحلية في جامعة نواكشوط، الباحث سليمان حامدون حرمة، أن “بعض الدراسات تذهب إلى أن تجاوز نسبة الوافدين 10 – 15 في المئة من السكان قد يؤدي إلى ظهور تحديات في التماسك الاجتماعي”.
ويضيف أن “مدى تأثير نسبة الأجانب في الأمن السكاني لبلد ما يتوقف على اعتبارات عدة تأتي في مقدمها نجاعة السياسة الأمنية وفاعلية الإستراتيجيات الحكومية لتدبير ملفات الهجرة والإقامة وضبط الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية، إلى جانب التوزيع الجغرافي للأجانب المقيمين، فالتركز الكبير لهؤلاء الأجانب في مدن أو مناطق معينة يؤثر في التماسك الاجتماعي وفي الهوية الثقافية والوضع الاقتصادي للبلد المستضيف”.
دعم أوروبي
قفز عدد المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بصورة غير شرعية من طريق البحر بنسبة 300 في المئة تقريباً في يناير (كانون الثاني) الماضي، ووصلت الغالبية العظمى منهم إلى جزر الكناري، ويقول مسؤولون إسبان إن حوالى 83 في المئة من الزوارق التي نجحت في الوصول إلى الأرخبيل أبحرت من موريتانيا، وبسبب هذا الوضع تأمل مدريد من نواكشوط لعب دور كبير في وقف هذا التدفق الذي أرهق البلد الأوروبي الأقرب إلى أفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت العلاقات الموريتانية-الإسبانية تطوراً متزايداً في الأعوام الأخيرة في مجالات الأمن، وبخاصة في مكافحة الهجرة، وترتبط باتفاقات للتعاون في هذا المجال إذ يعمل فريق من خفر السواحل الإسبانية بصورة وثيقة مع نظيره الموريتاني في نواذيبو لإحباط قوارب المهاجرين واعتراضها.
ووقع البلدان في العاصمة الموريتانية نواكشوط، نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اتفاقية للتعاون الأمني ستمكن موريتانيا من الحصول على آليات لوجستية وأخرى تقنية في المجال الأمني لمساعدتها في التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية والتهريب بكافة أشكاله وغيرهما من أنواع الجريمة المنظمة.
وتيرة الهجرة
يشرح الشاب المالي عمر فويتا، الذي ضاقت به بلاده التي مزقتها حرب طاحنة منذ أزيد من عقد، كيف تحولت موريتانيا إلى آخر ملاذ لتحقيق حلم العيش بعيداً من أتون الصراعات في بلده. يقول “أقيم منذ عامين في موريتانيا، وأعمل في غسيل السيارات لأعول أسرتي هنا وأهلي في باماكو عاصمة بلادي”.
لا يُخفي الشاب الثلاثيني قلقه من صعوبة الوصول إلى أوروبا عبر زوارق الموت التي يمتطيها الآلاف سنوياً من بلاده نحو جزر الخالدات في إسبانيا، ويبرر قلقه بتضييق الخناق على الطريق التي كانوا يسلكونها وصولاً إلى شاطئ الانطلاق في شمال موريتانيا بسبب تشديد الرقابة من سلطات الهجرة الموريتانية وتنسيق العمل مع المصالح الإسبانية المختصة في منع الهجرة غير النظامية.
ويشرح الباحث سليمان حامدون كيف أدت الأوضاع الأمنية المضطربة في بلدان الساحل الأفريقي، وبخاصة مالي والنيجر وبوركينافاسو، إلى تصاعد وتيرة الهجرة واللجوء إلى موريتانيا بصورة كبيرة خلال العقد الأخير.
فقد تسببت الحرب الأهلية في مالي بتزايد أعداد اللاجئين الطوارق في البداية ثم الفلان لاحقاً بحثاً عن الأمان والاستقرار في موريتانيا التي تشترك مع الدولة المالية في حدود برية مفتوحة تتجاوز 2200 كيلومتر. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد هؤلاء اللاجئين بات يتجاوز 150 ألف نسمة.
كما أن الصراعات المسلحة والاضطرابات الأمنية المتعددة الأبعاد في منطقة الساحل تسببت في حدوث انهيار اقتصادي أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات البطالة والفقر في سياق تميز بتغيرات مناخية قاسية، مما دفع مئات الآلاف من السكان إلى البحث عن فرص أفضل للعمل والعيش في موريتانيا في ظل حال الاستقرار النسبي التي تشهدها.
نقلاً عن : اندبندنت عربية