يواجه الصحافيون في أفريقيا وخصوصاً بمنطقة الساحل شديدة الاضطراب الأمني، معادلة صعبة بين تغطية الأحداث التي تعرفها المنطقة وحماية أنفسهم من الاعتداءات والانتهاكات التي تصل إلى القتل في خضم انتشار مكثف للجماعات المسلحة والجيوش النظامية المتقاتلة.
من العاصمة النيجرية نيامي، قال الصحافي عيسى الذي فضل عدم الكشف عن هويته خشية التهديدات الأمنية، إنه تلقى منذ فترة رسائل تهديد من قبل عناصر يتبعون جماعة متشددة تنشط شمال البلاد، وقد تعرض في وقت سابق زميل له للقتل على يد الجماعة نفسها التي تهدده.
وأوضح لـ”اندبندنت عربية” أن “المشكل أن كل طرف يريد أن يتم الترويج لسرديته إزاء الأحداث، سواء الجماعات المسلحة التي تتبنى أفكاراً متشددة أو متمردة، أو الأنظمة الحاكمة. والصحافي هو الحلقة الأضعف إذ لا توجد إجراءات قادرة على تأمين سلامته وأسرته”.
فكا كماشة
في وقت سابق، أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” و500 محطة إذاعية محلية في الساحل الأفريقي نداء عاجلاً من أجل حماية الصحافيين في المنطقة، لافتة إلى أنهم يتعرضون للقتل والخطف ويقع إجبارهم على الصمت.
وقالت المنظمة في بيان لها، إن “محطات الإذاعة المجتمعية تلعب دوراً حاسماً في إعلام المجتمعات النائية في كثير من الأحيان، وخصوصاً من خلال توفير المعلومات باللغات المحلية، لكنهم مضطرون للعمل في سياق أمني متدهور، نظراً إلى انتشار العنف من قبل الجماعات المسلحة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد”.
ولم تقتصر التهديدات التي تتربص بحرية الصحافة في منطقة الساحل الأفريقي على ما يتعرض له الصحافيون من تضييقات، إذ أقدم عدد من المجالس العسكرية لا سيما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو على قطع البث عن عديد من وسائل الإعلام الدولية على غرار “فرنس 24”.
وقال الصحافي والباحث السياسي المالي حسين آغ عيسى، إن “واقع الصحافيين في الساحل الأفريقي يعد شديد التعقيد والخطر، إذ يعملون في بيئة مضطربة ومتأزمة أمنياً وسياسياً”.
وفي تصريح لـ”اندبندنت عربية” أوضح آغ عيسى، أن “هناك جماعات مسلحة تسيطر على مناطق واسعة في دول الساحل، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وتعد الصحافيين تهديداً إذا نقلوا أخباراً تعارض رواياتها. ويتعرض الصحافيون للتهديد، والاختطاف، وحتى القتل في بعض الحالات”.
وتابع، “في المقابل تواجه الحكومات المحلية تحديات في ضبط الأمن، مما يدفعها أحياناً لفرض قيود على حرية الصحافة لتمارس ضغوطاً على الصحافيين تشمل الرقابة، والتهديد بالاعتقال، أو حتى الاتهام بالخيانة إذا ما نشروا معلومات تنتقد السياسات الحكومية أو العسكرية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستنتج آغ عيسى أن “الصحافيين في الساحل الأفريقي يعيشون بين فكي كماشة، إذ تواجههم تهديدات من الجماعات المسلحة، وفي الوقت ذاته تنتهك حقوقهم من قبل الأنظمة الحاكمة والجيوش. في ظل هذه الظروف يصبح العمل الصحافي في المنطقة شجاعة محفوفة بالأخطار، ويستدعي دعماً محلياً ودولياً لحمايتهم وتمكينهم من أداء دورهم الأساس، ولا يمكن لمنظمة (مراسلون بلا حدود) ولا غيرها فعل شيء من دون هذا الدعم المحلي والدولي”.
مقبرة للصحافيين
تأتي الشكاوى المتزايدة من انهيار وضع الصحافيين في منطقة الساحل الأفريقي على رغم نجاح المؤسسات الصحافية في كسب رهان استقطاب جمهور واسع للمحطات الإذاعية والتلفزيونية في دول تعرف تخمة من الأحداث السياسية والأمنية.
على سبيل المثال، عام 2022 كان نحو مليوني شخص يستمع للراديو أي ما يمثل نحو 18 من سكان النيجر أسبوعياً، بحسب استطلاع محلي، إذ يعتمد السكان بصورة كبيرة على الأخبار لمعرفة ما يدور حولهم في ظل الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة.
واعتبر الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد حامد جمعة نوار، أن “من المؤكد أن الأوضاع الخاصة بالصحافيين في الساحل الأفريقي معقدة، وقد تعددت التقارير الدولية في شأنها لا سيما من الجهات الرقابية على الحقوق الإعلامية، لدرجة أنها وصفت في تقرير لـ(مراسلون بلا حدود) بكونها مقبرة الصحافيين”.
وأضاف نوار أن “الأمر يرتبط بالوقوع بين خطرين: خطر الأنظمة العسكرية الحاكمة التي تعد الصحافة أصلاً محل اشتباه، ناهيك بالقيادات القانونية التي تفرض من الأنظمة على أشكال التغطيات والأداء الإعلامي حيث لا مجال لمقتضيات الحياد والمهنية وإنما مطلوب من الصحافي إما أن يكون ناشراً للرواية الرسمية أو فإنه عدو”.
ومضى قائلاً، إن “الخطر الثاني يكمن في الجماعات والفرق المسلحة التي تجعل الصحافي تحت تهمة كونه عميلاً للجيش والقوات الحكومية، وهكذا ففي الحالين فإن الصحافي لن يمارس عمله إلا تحت وضعية الإرهاب والضغوط الأمنية، فهو إن لم يعتقل يختطف وإن لم يسجن يموت”.
وأكد نوار أنه “حتى في حال تجاوزه ذلك فإن أنشطته المعتادة ولو في مناطق بها قصص وحقول للنقل والعرض فمن الصعب أن يحظى بمصادر معلومة ومعروفة وكاشفة عن نفسها، هذا على السياق العام، أما على سياق قدرته على التحصيل بإفادات ولو على سبيل التغطية المتوازنة من مصادر رسمية حكومية فهذا نفسه في حكم الاستحالة لأن الأنظمة الحاكمة تحدد مسار المعلومات عبر نوافذ محددة لا تتعامل بإيجابية مع فضيلة النشر والتنوير”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية