ملفات “البنتاغون”: الحياة في الكون البعيد ليست مستحيلا

نعرف أن خُمس النجوم تضم في مجموعتها من الكواكب السيارة، واحداً يشبه أرضنا. [النجوم هي شموس، ويعتقد أن معظمها تدور حوله مجموعة من الكواكب السيارة، على غرار مجموعتنا الشمسية]. إذاً، الاحتمال هو واحد من كل خمسة، فيما لدينا 200 مليار نجمة في مجرتنا المسماة “درب التبانة”. إذاً، لدينا 40 مليار احتمال لعوالم تشبه كوكبنا، ضمن مجرتنا وحدها.

أعمل ضمن الفريق المسؤول عن “آلة رسم تحليل الطيف المتصل للضوء” Slitless Spectrograph و”جهاز التصوير بالأشعة الحمراء القريبة” Near Infrared Imager، واختصاراً “أن آي أر آي أس أس” NIRISS، وكلاهما من أجهزة “تلسكوب الفضاء جيمس ويب”. ونعمل على مراقبة منظومة “ترابست 1” Trappist-1، وهي تمثل أولى الكواكب السيارة الصخرية التي تدور ضمن المنطقة القابلة للسكنى. وبالتالي، نحن بالفعل نتابع عوالماً قد تستضيف أشكالاً حية. [يصنف كوكبنا بأنه صخري، بمعنى أن نواته مكونة من تلك المادة. وحينما يدور كوكب سيار في مدار لا يقربه من شمسه فيتعرض لحرارة مميتة ولا ينأى به بعيداً عنها، فيقع في قبضة برودة ضارية قاتلة].

وحاضراً، نركز على الغازات، أي ما نتنفسه شهيقاً وزفيراً. ويشبه الأمر أن تذهب إلى غابة، ثم ترى آثار أقدام، فتقول “إنه غزال بالقطع”. ولكنك ربما ترى شيئاً آخر، نقشات في الطين مثلاً، فتفكر أنها قد ترجع لأشكال حية، لكنها ربما تكون شيئاً آخر.

وإذاً، نوجه تلسكوباتنا كي تُفتش عن الحياة بحسب ما نعرفها، فيما نُبقي أعيننا مفتوحة على أي شيء غرائبي أو غير مفَسر. ويتوجب عليك توخي الحذر التام في شأن تفسير علامات عن حياة لا تفهمها، لأن هنالك تفسيرات أخرى لها. ولعلها جزء من جيولوجيا غير مألوفة على كوكب الأرض، أو إنها لم تخطر في بالك.

وتحتاج الحياة على الأرض إلى ماء، لكنها وحدها لا تكفي.

ونأمل في العثور على أوكسجين لكنه ليس بكافٍ لوحده كذلك. وقد نتوقع العثور على غاز الميثان.

ولهذه الأسباب، بدأت في صنع نماذج عن الأرض عبر الحقب الجيولوجية المختلفة التي مرت بها، كيف في الزمن الذي قد يلزمك لو كنتَ لاحظت علامات على الحياة على كوكبنا. ولم ينهض أحدٌ بعمل كهذا قبل ذلك. كم يلزمك من الوقت وأنت تراقب الأرض كي تلاحظ أنها مأهولة بأشكال حية؟ لقد توصلنا إلى أن الأمر يستلزم ملياري عام، لأن ذلك يساوي الزمن اللازم للاتحاد بين الأوكسجين والميثان بشكل يتولد منه مؤشر في غلافنا الجوي عن وجود حياة في كوكبنا.

وإذاً، نحن على حافة الوصول إلى القدرة على التعرف إلى الحياة في الكون لأنه، للمرة الأولى، نعرف عن وجود كثرة من الكواكب السيارة، ونعلم أيها الأقرب إلينا. وكذلك ندرك أنه على كوكب كالأرض، وعلى مدار ملياري عام، يتوجب عليك مراقبة الهواء والغلاف الجوي معاً. [يعني ذلك وجوب التثبت من تجمع الهواء في كوكب سيار ما، كي يصنع غلافاً جوياً حوله، وليس مجرد كميات متفرقة منه].

ومع “تلسكوب جيمس ويب” الذي يشكل مرصداً فضائياً يتقصى الأشعة تحت الحمراء الآتية من أجسام في نظام شمسي؛ بات بمكنتنا ملاحظة وجود هواء على كوكب سيار معين نراه حينما يفترض أنه يعبر بيننا وبين شمسه. وحينها، يمر إلينا الضوء المنبعث من داخل ذلك الكوكب عابراً طبقة هوائه. [حينما يمر كوكب بين من يراقب شمسه، يحدث اهتزاز طفيف في الضوء الآتي من تلك النجمة إلى المراقب. ويستنتج تالياً أن هنالك كوكباً سياراً يدور حول نجم معين].

 

ويصل ذلك الضوء إلى تلسكوبي بعد أن يمر عبر الغلاف الجوي لكوكبه السيار. ويرتطم ذلك الضوء بجزئيات مواد عدة لكل منها تركيبة مختلفة. يتطلب ذلك طاقة تختلف بحسب نوع الجزيء، ويعني ذلك مشاهدة الضوء في لون مختلف يتأرجح ويلتف. وحينما تلاحظ أن لوناً ما قد اختفى [من طيف الضوء الذي تراقبه]، أستطيع حينها أن أخبرك عن نوع الهواء في ذلك الكوكب السيار.

لا أستطيع رؤية سطح الكوكب السيار الذي أراقبه، لأنه حينما يرتطم الضوء بذلك السطح، فإنه يرتد ولا يصل مباشرة إلى تلسكوبي. وحتى الآن، نحن مجبرون على التقيد بالبحث عن الهواء والغازات.

ويتميز الجيل التالي من التلسكوبات التي نعمل على تصميمها، وتسمى “مرصد العالَم المأهول” Habitable World Observatory، بأنها أكبر من “تلسكوب جيمس ويب”. ومن المقرر أن تبدأ مهماتها الفضائية بين عامي 2035 و2040. وحينها، قد نرغب في التعمق بدراسة الكواكب السيارة وأسطحها والألوان التي نستطيع رؤية انبعاثها منها. وبعدها، نجمع تلك الخطوط من الأدلة معاً.

وحينما تُراجِع تطور كوكب الأرض، تجد أنه كلما زادت كمية الأوكسجين يترافق ذلك مع أشكال حية أضخم حجماً وأكثر تطوراً. وبالتالي، إذا عثرنا على كوكب سيار يشكل الأوكسجين 30 في المئة من هوائه، كما حدث عندنا في زمن الديناصورات؛ نتوقع وجود أشكال حية ضخمة وفائقة التعقيد تعيش في ذلك الكوكب. وأعتقد أن العنوان الملائم لذلك الاكتشاف قد يكون “حقبة جديدة للجنس البشري، نحن لسنا وحدنا”.

 

وسيشكل ذلك اكتشافاً مذهلاً. وأعتقد أن الجنس البشري قد ينظر إلى ذلك باعتباره المغامرة الأكبر. إن المجتمع العلمي مترابط عالمياً والعلماء يتواصلون في ما بينهم. وقد تُجَمع البلدان مواردها معاً كي تبني تلسكوباً ضخماً بالفعل.

كلما نظرت بعيداً، يبدو الأمر كأنك تسير رجوعاً في الزمن. وإذاً، لقد تاهت تلك العوالم عنا لأننا ببساطة على مبعدة كبيرة منها، مع كل الزمن الذي يستلزم الضوء كي يقطع تلك المسافة ويصل إلينا. وضعتُ فصلاً في كتابي يتضمن السؤال التالي “أين هي تلك الكائنات الفضائية؟”، لكنها ربما تنظر إلينا الآن.

وإذا افترضنا وجود أحياء هناك [في الفضاء] وامتلكوا مستوىً من التكنولوجيا يشبه ما نحوزه بين أيدينا، فلعلهم قد لاحظوا وجود حياة على الأرض. وأسأل نفسي أحياناً، إذا تخيلنا وجود استعراض كوني يُبَث على غرار تلفزيون الواقع، ثم رأيناهم يقولون “يا الله، إنهم [سكان الأرض] يدمرون طبقة الأوزون. وإذاً، امضِ يا كوكب! لقد أصلحتها! سيشكل ذلك إحدى حلقات ذلك البث. وفي حلقة أخرى، قد يقولون “يا الله، إنهم يدمرون المناخ. استدرِك الأمر يا هذا الكوكب!”.

 

ومن الناحية النظرية، إن كان لحضارة كونية أخرى أن تكتشفنا، فلعلها على مسافة 100 سنة ضوئية منا، ولربما يروننا الآن حينما دخلنا زمن الراديو. وليس لدينا مركبات فضائية. وبالتالي، يبرز السؤال عن سبب عدم قدومهم إلينا. وبالفعل، أنا لا أعرف إذا كنا نثير لديهم رغبة قاهرة في اكتشافنا. أُحِبُ كوكبنا، لكن من المضحك أن يكون الافتراض الضمني متمثلاً بأن جميع الكائنات الفضائية ستأتي مباشرة وتتحدث معنا.

وأعتقد أنه عبر محاولة العثور على كواكب سيارة تشبه الأرض، فإن أي شيء نتعلمه منها سيساعدنا فعلياً في فهم كوكبنا وكيفية الحفاظ عليه بأفضل مما نفعل.

حينما أعود إلى المنزل من العمل، أعمدُ إلى مشاهدة التلفزيون وأستمتع حقاً بحلقات جديدة من مسلسلي “ستارتريك” Star Trek و”ستارغيت” Stargate. ثمة سلسلة حلقات تناولت مركبة فضاء تجوب المجرة بحثاً عن حياة في كواكب سيارة أخرى. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في إحدى الحلقات، كانوا [كائنات الفضاء] يقفون على جسر ويقولون إنهم توصلوا تواً إلى التقاط طيف الضوء الآتي من هذا الكوكب [الأرض]، وأنهم لمسوا وجود الأوكسجين والميثان والماء. ولقد اتصل بي أحد الأصدقاء ليقول لي إنهم [كائنات الفضاء] قد رأوني تواً حينما كنتُ واقفة على الجسر [بمعنى الجسر الموجود في المرصد الذي تعمل فيه العالِمة ليزا كالتنيغر]. وحينها، تملكني إحساس مفاده أنني أرغب في أن أكون هناك، أريد أن أقف على ذلك الجسر [حيث الكائنات الفضائية].

وهل أعتقد أننا سنكتشف كوكباً سياراً يستضيف كائنات حية خلال حياتنا الحالية؟ يشكل ذلك السبب الذي يدفعني للاشتغال بجهد على ذلك الأمر، ومحاولة تحقيق ذلك. وهناك كثيرون ينهضون بالجهد نفسه.

وتراود الناس آمال عالية بأن ما نكتشفه في نظام “ترابست 1” قد يعني شيئاً ما، بمعنى التوصل إلى المؤشر الأول عن وجود تركيبة بيولوجية كيمياوية، قد تكون كائنات حية أو ربما ليس كذلك. وفي المقابل، ثمة إثارة، وللمرة الأولى، لدينا أداة وقدرة.

والمفاجأة الكبرى قد تتمثل في ألا نعثر على أي شيء.

د. ليزا كالتنيغر، المديرة المؤسِسة لـ”معهد كارل ساغان” في جامعة كورنيل. وقد ألفَتْ كتابها الجديد “كواكب أرضية لكائنات فضائية، تصيد الكواكب السيارة في الكون” Alien Earths: Planet Hunting in the Cosmos.

نقلاً عن : اندبندنت عربية