يخلق ارتفاع سعر “بيتكوين” شعوراً زائفاً بالأمان بين المستثمرين، إذ حذر كبير استراتيجيي الذهب في “ستريت غلوبال أدفايزرز” جورج ميلينغ ستانلي من أن العملات المشفرة لا توفر الاستقرار نفسها التي يتمتع بها الذهب. وقال في برنامج “ETF Edge” على قناة “سي أن بي سي” هذا الأسبوع، “(بيتكوين) ببساطة لعبة عائد، وأعتقد أن الناس كانوا يقفزون على ألعاب العائد”.
وجاءت تصريحات ستانلي في وقت احتفلت فيه “أس بي دي آر غولد شيرز” التابعة لشركته بالذكرى السنوية الـ20 لتأسيسها هذا الأسبوع، وتعد أكبر صندوق متداول في البورصة للذهب المدعوم مادياً في العالم، إذ شهدت ارتفاعاً بنسبة أكثر من 30 في المئة عام 2024.
وأشار ستانلي إلى أنه “قبل 20 عاماً كان سعر الذهب 450 دولاراً للأونصة، والآن أصبح سعره خمسة أضعاف هذا المبلغ… إذا نظرنا إلى هذا الرقم خمس مرات، فإن سعر الذهب كان ينبغي أن يتجاوز 100 ألف دولار بعد 20 عاماً”.
وتسلط هذه التصريحات الضوء على الفرق بين استثمارات العملات المشفرة التي تعد أكثر تقلباً، مقارنة بالذهب الذي يعد ملاذاً آمناً تاريخياً في فترات الأزمات الاقتصادية.
الذهب يحقق أفضل أداء
حقق الذهب أخيراً أفضل أداء أسبوعي له منذ مارس (آذار) 2023، إذ استقرت العقود الآجلة للذهب عند 2712.20 دولار الجمعة الماضي، وهو أعلى مستوى لها منذ الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وعلى رغم هذا الارتفاع تظل أسعار الذهب أقل بنسبة ثلاثة في المئة فقط من أعلى مستوى تاريخي سجلته في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
أما بالنسبة لـ”بيتكوين” فشهدت أيضاً عاماً مميزاً، إذ وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق الجمعة الماضي (100 ألف دولار) بعد صعودها المستمر منذ الانتخابات الأميركية. وفي حين تواصل “بيتكوين” الصعود حذر ستانلي المستثمرين الذين يرون في الذهب ملاذاً آمناً من التكدس في العملات المشفرة. وقال إن عالم التشفير قد يحاول التلاعب بالمستثمرين، مشيراً إلى أن مروجي “بيتكوين” أطلقوا عليها اسم “التعدين” على رغم أن العملية تتعلق بأجهزة الكمبيوتر فقط. وأضاف، “أطلقوا عليه التعدين لأنهم أرادوا أن يبدو وكأنه ذهب، وربما يحاولون سلب بعض الهالة من المعدن الأصفر”.
مع ذلك يعترف ستانلي بأن المستقبل غير واضح في ما يتعلق بالذهب، قائلاً “ليس لديَّ أي فكرة عما سيحدث خلال الـ20 عاماً المقبلة، باستثناء أنها ستكون رحلة ممتعة. أعتقد أن الذهب سيحقق أداءً جيداً”.
تثير هذه التصريحات تساؤلات حول مصير الاستثمارات في الذهب مقابل العملات المشفرة، في وقت تشهد فيه كلتا السوقين تقلبات كبيرة.
وقال رئيس إدارة السلع والمنتجات المشفرة في “بلومبيرغ” جينغا غيب إن 2024 كان عاماً تاريخياً للعملات المشفرة. ووافقت هيئة تنظيم الأوراق المالية والبورصات الأميركية على “بيتكوين” لتنسيق الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة في يناير (كانون الثاني) و”إيثريوم” في مايو (أيار) من هذا العام، مما فتح الوصول إلى أسواق العملات المشفرة في غلاف مألوف، ووصل كل من الذهب و”بيتكوين” إلى قمم جديدة خلال عام 2024 (2787 دولاراً للذهب) في الـ30 من أكتوبر الماضي بزيادة 44 في المئة على مدار العام، وبلغت “بيتكوين” أعلى مستوياتها على الإطلاق بعد الانتخابات الأميركية، إذ تضاعفت أكثر من الضعف منذ بداية العام، وتعززت الأصول الرقمية من خلال تبني المستثمرين المتوقع والشعار المالي الإيجابي من الحكومة الأميركية القادمة.
وأشار غيب أن الذهب و”بيتكوين” من بين الأصول التي تقدم فرصاً مثيرة للتخصيص البديل، إذ يقدمان عوائد إضافية وتنويعاً وحماية ضد الأصول التقليدية.
واستخدم الذهب في التجارة الدولية منذ العصور القديمة في مصر نحو 1500 قبل الميلاد، أما “بيتكوين” فأنشئت في الثالث من يناير 2009 حينما عدن ساتوشي ناكاموتو الكتلة الأولى من سلسلة الكتل (بلوك تشين)، مما يمثل تطوراً رقمياً للمال.
وقارن غيب في حديثه إلى “بلومبيرغ” بين الخصائص الأساسية لكل من الذهب و”بيتكوين” استناداً إلى عوامل عدة، إذ يقبل الذهب عالمياً من مجموعة متنوعة من المستخدمين، ويوفر دوراً مزدوجاً كأصل استثماري وكمادة استهلاكية في المجوهرات، بينما تقدم “بيتكوين” ميزة اللامركزية، إذ تعمل من دون سلطة مركزية، مما يجذب أولئك الذين يبحثون عن الخصوصية والاستقلالية والتحوط ضد التضخم.
وبينما يختلف هذان الأصلان بصورة جوهرية، فإنهما يكمل بعضهما بعضاً في محفظة استثمارية متنوعة، إذ يوفر الذهب استقراراً تاريخياً وطبيعة مادية تجعله مخزناً موثوقاً للقيمة، بينما تقدم “بيتكوين” هيكلاً لا مركزياً مبتكراً يوفر إمكانات لتحقيق عوائد أعلى في الاقتصاد الرقمي المتطور، ويمكنهما تشكيل نهج متوازن لمواجهة التحديات في كل من الأسواق المالية التقليدية والحديثة.
تاريخ طويل وجديد في عالم الاستثمارات
ويمتلك الذهب تاريخاً طويلاً وعميقاً مع مجتمع الاستثمار، إذ ظل عقوداً من الزمن من الأصول الموثوقة التي يسعى إليها المستثمرون. من ناحية أخرى تعد “بيتكوين”، “اللاعب الجديد” في عالم الاستثمارات المالية، وقد بدأ في الوجود بصورة مركزة في بعض الأوساط الاستثمارية للأفراد.
ويقول غيب إنه على رغم أن العملات المشفرة لا تزال في مراحلها الأولى، فإن قيمة الأصول المدارة (AUM) لصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) الخاصة بـ”بيتكوين” شهدت ارتفاعاً كبيراً هذا العام، إذ وصلت إلى 146 مليار دولار، أي نصف إجمالي الاستثمارات في صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالذهب التي بلغ إجماليها 290 مليار دولار حتى السابع من نوفمبر الجاري.
ويرى أن هذا النمو السريع في استثمارات “بيتكوين” يبرز تزايد الاهتمام بهذا الأصل الجديد، مع سعي المستثمرين للاستفادة من إمكاناته العالية على رغم تقلباته الكبيرة مقارنة بالذهب الذي يتمتع بسمعة استثمارية مستقرة.
الذهب و”بيتكوين” ومعركة الأصول
الذهب، مثل المعادن الأخرى، يجرى تعدينه، وفي ما يتعلق بالإنتاج يقدر أن الغالبية العظمى من الذهب في العالم تعدنت بالفعل، لكن لا يزال هناك مجال لإمدادات إضافية من الطبيعة، أما بالنسبة لـ”بيتكوين”، فإن عرضها ثابت، بالتالي توفرها محدد مسبقاً، على رغم وجود فروع مثل “بيتكوين كاش” و”بيتكوين أس في”، كما شهدت العملات المشفرة الأخرى توسعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.
لا يزال دور “بيتكوين” موضوعاً قيد النقاش، إذ تتيح العملة الاستقلال اللامركزي، وهي غير خاضعة لأي حكومة أو سلطة مركزية أو بنوك، بينما يحظى الذهب بعلامة الملاذ الآمن، ويتألق خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية وتصاعد التوترات الجيوسياسية، كما يحتفظ المعدن الأصفر بأهمية ثقافية قوية في دول ذات كثافة سكانية عالية مثل الهند والصين. ونظراً إلى أن الذهب مسعر بالدولار الأميركي فإنه مع ضعف الدولار يرتفع سعر الذهب، والعكس صحيح، وفي المقابل يعد الدافع الرئيس لاستثمار “بيتكوين” هو “الخوف من الفوات”، إذ شهدت العملة الرقمية حركة أسعار غير متوازنة بصورة كبيرة في الماضي، مما جذب انتباه المستثمرين الذين يسعون إلى لاستفادة من المكاسب الكبيرة المحتملة.
العوامل المشتركة بين الذهب و”بيتكوين”
وتكمن العوامل المشتركة بين الذهب و”بيتكوين” في أن كليهما يعد مخزناً للقيمة على مر الزمن، علاوة على ذلك ينظر إلى هذين الأصلين على أنهما بديلان قابلان للتطبيق للاحتفاظ بالدولار الأميركي والعملات الورقية، وهو أمر يهم البنوك المركزية حول العالم. وبصورة أوسع تتأثر أسعار الذهب و”بيتكوين” بمشاعر المستثمرين ورغبتهم في الاستثمارات.
وشهدت أسعار الذهب و”بيتكوين” انخفاضاً خلال فترات الضغط الاقتصادي، إذ يصفي المستثمرون الأصول والعودة للاحتفاظ بالسيولة النقدية، كما تتأثر أسعار هذين الأصلين بعوامل أخرى تتعلق بأصول متوازية مثل السلع والعملات بالنسبة إلى الذهب، والأسهم التقنية بالنسبة لـ”بيتكوين”.
وتظهر هذه العوامل المشتركة أن الذهب و”بيتكوين” قد يتصرفان بطرق مشابهة في أوقات الأزمات، لكن مع وجود اختلافات في العوامل المؤثرة عليهما بناءً على طبيعة كل أصل والفئة الاستثمارية التي يستهدفها.
من صاحب القرار؟
للمقارنة المالية ينبغي النظر إلى خصائص التقلب والارتباط بين الذهب و”بيتكوين” على مدار تاريخهما المشترك، ومن الملاحظ أن تقلبات “بيتكوين” على مدار العام تبلغ نحو 50 في المئة، وهو ما يزيد على ضعف تقلبات الذهب، وعندما ننظر إلى العلاقات المتدحرجة لمدة ثلاث سنوات مع الأصول التقليدية نجد أن “بيتكوين” شهدت علاقات أكثر استقراراً ومحايدة مع الأسهم والسندات والسلع، بينما كان الذهب مرتبطاً إيجاباً مع السندات والسلع، وحيادياً مع الأسهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين يظهر كل من الذهب و”بيتكوين” علاقات سلبية مع الدولار الأميركي، فمن المثير للاهتمام أن المتوسط طويل الأجل للعلاقة بينهما كان قريباً من الصفر، مما يجعل من الممكن استخدامهما معاً كمكونات إضافية في المحافظ المتعددة الأصول. وتوضح هذه النتائج كيف أن الذهب و”بيتكوين” يمكن أن يشكلا أصولاً يكمل بعضها بعضاً في محفظة استثمارية، مما يعزز التنوع ويقلل من الأخطار المرتبطة بالأصول التقليدية.
الأفضل في المحفظة الاستثمارية
يقول غيب إنه عند اتخاذ القرار بين الذهب و”بيتكوين” في محفظة متعددة الأصول تقليدية، يتضح أن كلاً من الأصلين يحمل مزاياه الخاصة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتنويع المحفظة. ويشير إلى أن هناك عديداً من القواسم المشتركة بين الذهب و”بيتكوين”، مثل كونهما أدوات لتنويع المحفظة والتحوط ضد الدولار الأميركي، لكن هناك أيضاً اختلافات كبيرة في ملفات تقلباتهما على المدى الطويل والزخم.
وفي فترة التضخم المرتفع في السبعينيات أصبح الذهب ذا أهمية كبيرة بالنسبة إلى المستثمرين، وأثبت دوره كأصل ملاذ آمن.
وتسهم الأصول غير المرتبطة التي حققت عوائد إيجابية على المدى الطويل، مثل الذهب و”بيتكوين” في تعزيز محافظ متعددة الأصول، مما يساعد على الحفاظ على المكاسب الطويلة الأجل وتقليل التقلبات.
نقلاً عن : اندبندنت عربية