دخل محمد خيي عالم التمثيل من باب المسرح، أبي الفنون، إذ انخرط خلال مرحلة الشباب في ورشة للتمثيل كان يديرها المخرج الراحل عباس إبراهيم في المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط. وكانت مسرحية “الصعود إلى المنحدر الرمادي” لكاتبها البحريني أحمد جمعة هي تجربة الاختبار التي أ بان فيها خيي عن موهبة كبيرة في تقمص الأدوار، ليجد لأدائه مساحات كبيرة في تجارب مسرحية أخرى مع الرواد من أمثال الطيب الصديقي وثريا جبران.
لكن الفترة التي انتبه فيها الجمهور والنقاد إلى موهبة محمد خيي كانت هي مرحلة التسعينيات، خصوصاً بعد انتقاله إلى عالم السينما ومشاركته في اثنين من أهم الأفلام في تاريخ السينما المغربية هما “حب في الدار البيضاء” لمخرجه عبدالقادر لقطع 1991، و”البحث عن زوج امرأتي” لمحمد عبدالرحمان التازي 1993، ليواصل حضوره بعد ذلك في عدد من الأفلام السينمائية مع معظم المخرجين المغارية: “عطش” و”جوهرة بنت لحبس” لسعيد الشرايبي، و”آخر طلقة” لعبدالرحمان ملين، و”ثمن الرحيل” لمحمد الشريف الطريبق، “ولد الحمرية” و”حجر الواد” لعادل الفاضلي، و”باب البحر” لداوود أولاد السيد، و”موسم جاف” و”الطاحونة” لرضوان قاسمي، و”ريح البحر” لعبدالحي عراقي، و”راس الخيط” للجيلالي فرحاتي، و”الصالحة” و”الصوت الخفي” لكمال كمال، و”مسحوق الشيطان” لعز العرب علوي، و”سميرة في الضيعة” للطيف لحلو، و”القرصان الأبيض” و”زينب زهرة أغمات” لفريدة بورقية، و”خيوط العنكبوت” لشكيب بن عمر، و”امرأة في الظل” لجمال بلمجدوب، و”ظل الجريمة” لعلي الطاهري، و”فاميلة جنب الحيط” لهشام العسري، وغيرها من الأعمال التي تغطي ثلاثة عقود ونصف عقد من السينما المغربية.
كما كان لمحمد خيي حضور في السينما العالمية عبر تجسيده لأدوار غير ثانوية في أفلام من قبيل “عين النساء” للمخرج الفرنسي الروماني الأصل رادو ميهايلينو، و”علي بابا والأربعون لصاً” للفرنسي بيير أكنين. وإذا كان محمد خيي حظي بالتكريم في معظم المهرجانات السينمائية بالمغرب، وعلى رأسها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، فإنه نال التكريم في بلدان أخرى مثل كندا وهولندا وبوروندي.
لا سينما من دون هوية
في معظم أدواره يراهن محمد خيي على موضوع الهوية، ويبدو أن المخرجين الذين يتعاملون معه فطنوا باكراً إلى هذا الخيار، خصوصاً أنه ينتمي، هو وعدد من المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو، إلى الجيل الذي انشغل بالتأسيس لسينما مغربية منقطعة إلى حد كبير عن سينما المشرق العربي، ومتخففة من الإرث الفني الفرنسي الذي كان تأثيره واضحاً في السينما المغربية في بداياتها. وكان خيي يصرح في عدد من حواراته أنه يرتاح أكثر في الأفلام التي تتناول تاريخ المغرب وتراثه، أو تقف عند خصائص الإنسان المغربي المعاصر الذي لم يقع في فخاخ الاستلاب الثقافي. فهو يريد سينما تذكر الإنسان المغربي بتاريخه وبثقافة وأصوله، وأن تكون أيضاً سينما قريبة منه ومن همومه وانشغالاته. فلا سينما، بالنسبة إليه، تتملص من هويتها من جهة، وتنأى عن الحياة الحقيقية لمن يشاهدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد حظي المسلسل الذي لعب فيه خيي دور القائد التاريخي عيسى بن عمر بشهرة كبيرة في الأوساط المغربية، إذ سلط فيه الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب، فضلاً عن الفنون والأزياء والثقافة الشعبية التي كانت رائجة في تلك الحقبة. كما أن فيلم “أندرومان”، الذي حصل بسببه خيي على جائزة أفضل ممثل في مهرجان فيستيكاب ببوروندي، يفتح عين المشاهد على بساتين هائلة من الثقافة الأمازيغية، ويعيد المغاربة للأصول الجميلة التي انحدروا منها.
يملك محمد خيي القدرة على الذوبان في الشخصية، والانتقال المرن من حالة إلى أخرى، بالتالي لا يقع في التكرار والنمطية، لذلك يصفه الناقد السينمائي المغربي عبدالكريم واكريم بـ”الحربائي”، فهو يتلون من دور إلى دور، ليفاجئ جمهوره على الدوام بما لم يعهده فيه من قبل.
نقلاً عن : اندبندنت عربية