أصدر البنك المركزي التونسي تعليمات تنظيمية إلى البنوك التونسية، تتضمن الإجراءات الواجب اتباعها في المعاملات بالشيك والتصرف فيه.
التعليمات الجديدة صدرت بعد تنقيح قانون تنظيم التعامل بالشيك في تونس ونشره في المجلة التجارية (القانون) وتمت المصادقة عليه بموجب القانون رقم 41 لسنة 2024.
ويهدف القانون الجديد إلى تعزيز الثقة في استخدام الشيكات في تونس، وتقليل الأخطار المتعلقة بحوادث الدفع، إذ جاء مشتملاً على العديد من التغييرات بخصوص المخالفات وتصنيفها والعقوبات المالية والسجنية التي تخصها، ونص على العقوبة السجنية لكل من أصدر صكاً يفوق قيمته خمسة آلاف دينار (1.5 ألف دولار) من دون رصيد، أما الشيكات التي لا تتجاوز هذه القيمة المالية، فيجرى اللجوء فيها إلى “سند الصلح” ما بين الساحب وصاحب الصك.
كذلك، يقضي القانون الجديد، إنشاء البنك المركزي لـ”منصة رقمية موحدة” توفر كل المعطيات الخاصة بالعملاء، وعلى هذا الأساس تمكن كل المصارف عملاءها من حق النفاذ إلى هذه المنصة للتأكد من الملاءة المالية لساحب الصك واتخاذ القرار المناسب بقبوله أو رفضه وتحدد العقوبات الموجهة للمستفيد على هذا الأساس.
وبناء على النظام الجديد لإسناد دفاتر الصكوك يتوجب على البنك التثبت من كل المعاملات البنكية، وحساب صاحب مطلب الحصول على دفتر شيكات قبل تسليمه كما يقوم البنك بالاحتساب المسبق للقدرة المالية لطالبي الدفتر وتحديد سقف عام لكل دفتر شيكات بحسب الملاءة المالية للعميل بالنظر إلى مداخيل المالية على غرار ما يجري عند التقدم بطلب للحصول على قرض، وتحديد سقف خاص لكل ورقة شيك بالنظر إلى السقف العام للدفتر، مع تقسيم القيمة المذكورة على عدد أوراق الدفتر والتنصيص وجوباً بطالع كل ورقة على قيمتها القصوى من دون أن تتجاوز في كل الحالات مبلغ قدره 30 ألف دينار (9.6 ألف دولار)، ولكل صك في الدفتر صلاحية وآجال موثقة في الورقة، ويشترط أن يكون الصك لمالكه، أي الشخص المستفيد خلافاً للقانون السابق الذي يضم مشروعية حامل الصك.
أيضاً، كلفت البنوك بمهمة المراقبة الدورية للمعاملات البنكية لعملائها ومراجعتها مع كل مطلب للحصول على دفتر، أما ما يتعلق بالعقوبات، ينص القانون على عقوبة السجن لمدة عامين وبخطية (غرامة) تساوي 20 في المئة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته، لكل من أصدر شيكاً وليس له رصيد سابق وقابل للتصرف، وكل من قبل شيكاً صادراً في الحالة المبينة وكل من تسلم شيكاً على وجه الضمان، وكل من ساعد عمداً أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته، أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها، ويعاقب بخطية تساوي 40 في المئة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل مصرف يرفض أداء شيك عول صاحبه على اعتماد فتحه له البنك سابقاً، أو على تسهيلات دفع ولم يتراجع عنها بصفة قانونية، وهي خطوة تعد تحميلاً للبنوك لجزء كبير من مسؤولية الجريمة المالية وهي من أهم البنود التي اتخذت في القانون الجديد، وفي حال تعهد المحكمة بأكثر من قضية ضد نفس الساحب من أجل ارتكابه الجريمة إصدار شيك من دون رصيد وأن قضت في حقه بعقوبة سجنية (حبس) في كل واحدة منها يمكنها المشرع من أن تقرر ضم العقوبات بعضها لبعض وفقاً لأحكام الفصل 56، وما يليه من المجلة الجزائية، ويكون القانون بذلك قد قلص من العقوبات الجزائية من خمس سنوات إلى سنتين، ويتيح استبدال عقوبة السجن.
الأحكام الانتقالية
وحدد البنك المركزي التونسي الأحكام الانتقالية التي تخص ساحبي الشيكات من دون رصيد محل تتبعات قضائية من أجل جريمة إصدار صك من دون رصيد وحررت في شأنهم شهادات في عدم الدفع قبل تاريخ نشر هذا القانون، إذ يتعين على المصارف، قبول التسوية من ساحبي الشيكات المعنيين بهذه الأحكام الانتقالية أو تسليم الساحب شهادة في التسوية بمجرد قيامه بخلاص مبلغ الشيك.
ويعفى ساحبو الشيكات المعنيين بهذه الأحكام الانتقالية عند قيامهم بالتسوية من خلاص الفوائض والخطية ومصاريف العدل المنفذ.
ويرجع تثبيت حصول التسوية وإيقاف المحاكمة أو العقوبة واسترداد الساحب لإمكانية مسك الشيكات واستعمالها إلى النيابة العمومية والمحكمة المتعهدة. ووجب على المصارف الامتناع عن تسليم صيغ شيكات جديدة للساحب إلى غاية إعلامها من قبل البنك المركزي التونسي برفع التحجير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تتولى المصارف إحالة ملفات من أصدروا شيكات من دون رصيد وحررت في شأنها شهادة في عدم الدفع قبل تاريخ نشر القانون الجديد إلى النيابة العمومية بحكم حصر التتبعات الجزائية بأيدي المستفيد ولا تتم بناء على شكاية المصرف خلافاً للنص القديم، كما يهم إلغاء التجريم عن الشيكات من دون رصيد، التي تساوي أو تقل عن 5 آلاف دينار (1.5 ألف دولار)، فحسب الأشخاص الذين أصدروا شيكات من دون رصيد في عدم الدفع أو محضر احتجاج بعدم الدفع بمقر المصرف بعد تاريخ الثاني من فبراير (شباط) 2025، أي بعد ستة أشهر من تاريخ نشر القانون عدد 41 لسنة 2024 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية) وحول مآل الشيكات التي أعدت وفقاً للصيغ المعمول بها قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ، أي التي لا تتضمن البيانات الوجوبية الجديدة وجب على المصارف مواصلة قبول خلاصها وعرضها للخلاص في أجل لا يتعدى 6 أشهر من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ ومراعاة الإجراءات المتعلقة بعوارض الدفع المرتبطة بها وفقاً للمقتضيات الجديدة للمجلة التجارية باستثناء المتعلقة بالمنصة الرقمية.
وأشارت الإجراءات إلى أن انقضاء هذا الأجل أي بعد الثاني من فبراير2025 يفقد هذه الصيغ قيمتها كصكوك ويتعين على المصارف رفض خلاصها أو قبول عرضها للخلاص من حرفائها، وفي صورة عرض هذه الشيكات للخلاص بعد ذلك التاريخ، يتم رفض خلاصها.
ما بين القانون ومعاملات السوق
يشار إلى أن صدور قانون الصكوك والانطلاق في تطبيقه أحدث حالة من الانتقادات والتململ، ووجهت الانتقادات مباشرة إلى المشرع الذي لم يراع المعاملات المالية لعدد كبير من المؤسسات التونسية الصغرى والمتوسطة في ظل أزمة اقتصادية خانقة وغلب الجانب القانوني النظري وفق المتعاملين في السوق التجارية.
في حين اعتبر نائب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة علي العبيدي، أن “السلوك التجاري شهد تغيراً باعتبار أن القانون دخل حيز التطبيق منذ الثاني من أغسطس (آب) الماضي”، وكشف أن أكثر من نصف المؤسسات كانت تعتمد عمليات الدفع عبر الشيكات، وهذا القانون الجديد سيكون له تأثير بالخفض في المخالفات والتخلي عن اعتماد الصكوك كوسائل ضمان وتحويلها إلى وظيفتها الأساسية كوسائل دفع آنية.
مبيناً أن المشرع دفع نحو العودة إلى التعامل بوسائل دفع مالية قانونية وهي “الكمبيالة” وهي تعد صنفاً من الأوراق التجارية تمثل ديناً مستحقاً في أجل محدد وهي سند يعطي بواسطته “الساحب” إلى شخص آخر يسمى “المسحوب عليه” أمراً بأن يدفع، في تاريخ معين، مبلغاً محدداً لـ”مستفيد”.
ويضيف العبيدي أنه سيتم تحميل المسؤولية للمزودين في المستقبل الذين يقبلون الصكوك، لأنه سيتم التثبت من توافر المبلغ عبر منصة ستطلق في الثاني من فبراير 2025ـ إذ يتمكن عبر هذه المنصة المزود بصورة مسبقة من الاطلاع إن كان هناك رصيد كاف لدى العميل يغطي المبلغ المذكور في الصك الذي ستكون مدة صلاحيته 8 أيام عندها يحجز المبلغ عبر المنصة ومن ثم استخلاصه وإن لم يقم بذلك خلال الفترة المحددة سيعتبر وكأنه قبل بشيك من دون رصيد ويتعرض لعقوبة سجن قد تصل إلى سنتين إن كان مبلغ الشيك يتجاوز 5 آلاف دينار (1.5 ألف دولار)، وهو الأمر الذي سيدفع بالبنوك إلى خفض عمليات منح الدفاتر.
في المقابل، ذكرت المتخصصة في القانون نجاة براهم، أن تطبيق القانون يظل رهين وضع الآليات، إضافة إلى النصوص القانونية الصادرة.
وأضافت أنه لا مجال لتفعيل القانون في الآجال المحددة بالثاني من فبراير 2025، إلا في حالة استكمال تركيز المنصة الرقمية الخاصة بجمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالعملاء والتي يوفرها البنك المركزي، مشيرة إلى أنها بمثابة بنك معلومات يسهل على المصارف النفاذ إلى الرصيد وملاءة ساحب الشيك وبرقم معاملاته، كما تمثل منطلقاً لرقمنة جميع المعاملات وضمانة للتصدي للفساد.
في حين اعتبر الخبير المالي مهدي البحوري الانتقادات الحالية رد فعل طبيعياً باعتبار أن المتعاملين الاقتصاديين يخافون الانتقال من التعامل المعتاد لديهم إلى وضع غير معروف سابقاً، خصوصاً مع عدم وضوح الرؤية حول الإجراءات المصاحبة التي من شأنها أن توفر السيولة اللازمة لتمويل المعاملات لأجل.
مضيفاً “هي فترة تململ موقتة إلى حين المرور إلى اعتماد الوسائل الأصلية وهي وسائل الدفع المحددة سابقاً المتمثلة في “الكمبيالة” والتي استبدلت من قبل المتعاملين في السابق بسبب خلو إطارها القانوني من عقوبات السجن في خطوة لتوفير ضمان عملية الاستخلاص.
نقلاً عن : اندبندنت عربية