قد تتجنب منطقة اليورو الوقوع في فخ الركود خلال عام 2025 على رغم التحديات في ظل حال عدم اليقين التجاري مع الولايات المتحدة والتشديد المالي المستمر، لكن ذلك لم يمنع من تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي عن التوقعات.
يسلط تقرير حديث لـ”غولدمان ساكس” الضوء على نمو اقتصادي دون التوقعات السابقة، وسط تحديات تموج في الأفق على خلفية سياسات تجارية مرتقبة مع تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مقاليد الحكم في البيت الأبيض من جديد في يناير (كانون الثاني) المقبل.
يقدر البنك الأميركي نمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.8 في المئة في عام 2025، مقارنة بتوقعات الإجماع من محللي الاقتصاد الذين استطلعت آراءهم وكالة “بلومبيرغ” التي أشارت إلى نمو بنسبة 1.2 في المئة.
ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.3 في المئة، وأن ينكمش الاقتصاد الفرنسي 0.7 في المئة، في حين سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي الإسباني (الذي سيتفوق مرة أخرى) بنسبة اثنين في المئة، وفقاً لكبير محللي الاقتصاد الأوروبي سفين جاري ستين.
وفي تقرير الفريق الذي حمل عنوان “آفاق منطقة اليورو 2025: تحت الضغط”، كتب ستين أن التعريفات الجمركية التي يعتزم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فرضها من المرجح أن تؤثر بصورة كبيرة في النمو، مع نشوء قدر كبير من الضغوط بسبب عدم اليقين المتزايد في شأن السياسة التجارية، وعلى رغم أن من المتوقع أن يتوسع اقتصاد المنطقة في العام المقبل، فإن هناك احتمالاً بنسبة 30 في المئة لحدوث ركود كبير.
تأثيرات الرسوم الجمركية
وعلى رغم أن حجم أي رسوم جمركية أميركية غير مؤكد إلى حد كبير، فإن أبحاث “غولدمان ساكس” تشير إلى أن قدراً كبيراً من التراجع عن النمو سيأتي من عدم اليقين المتزايد في شأن السياسة التجارية، وليس الزيادات الفعلية في الرسوم الجمركية في حد ذاتها، ويكتب ستين “كانت تدابير عدم اليقين في شأن السياسة التجارية في ازدياد بالفعل”.
ذهبت التوقعات الأساسية لـ”غولدمان ساكس” إلى أن إدارة ترمب ستفرض تعريفات جمركية مستهدفة على أوروبا، مع التركيز على الصادرات المتعلقة بالسيارات، ومن المتوقع أن تؤدي التوترات التجارية المتزايدة إلى خفض مستوى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى المنطقة بنسبة 0.5 في المئة، ومن المرجح أن تكون الضربة الأكبر في ألمانيا (0.6 في المئة) والأصغر في إسبانيا وإيطاليا (0.3 في المئة)، نظراً إلى الاختلافات في الانفتاح التجاري وكثافة التصنيع.
وتشير تقديرات الاقتصاديين في البنك الأميركي إلى أن الضربة على الناتج المحلي الإجمالي ستكون أكبر مرتين في سيناريو تفرض فيه الولايات المتحدة تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة على الاتحاد الأوروبي.
ويواجه قطاع التصنيع في أوروبا أيضاً رياحاً معاكسة هيكلية، إذ انخفضت أسعار الطاقة بصورة ملاحظة عن ذروتها، لكن أسعار الغاز الأوروبية تظل أعلى بصورة ملاحظة من مستويات ما قبل عام 2022، وهي أعلى بكثير من أسعارها في الولايات المتحدة. وبرزت الصين كمنافس رئيس لإنتاج السلع الأوروبية، واكتسبت حصة سوقية مادية في الصناعات التي شهدت زيادات في الكلفة.
يضيف ستين “نرى استمرار الرياح المعاكسة البنيوية التي تعوق التعافي الصناعي في العام المقبل، وخصوصاً في ألمانيا. في الوقت نفسه من المتوقع أن تخضع منطقة اليورو أيضاً لتشديد مالي في العام المقبل، وستعمل ألمانيا على احتواء نطاق إنفاقها، في حين تهدف فرنسا إلى كبح جماح موازنتها، ومن المتوقع أن يوفر صندوق التعافي الأوروبي الدعم المالي في عام 2025، لكن من غير المرجح أن يكون هذا الدعم كافياً للتعويض الكامل عن الانكماش في السياسة المالية على المستوى الوطني”.
على رغم هذه التحديات تشير بيانات النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو إلى نمو متواضع لكنه إيجابي، ومن المتوقع بحسب مذكرة “غولدمان ساكس” أن يرتفع الدخل الحقيقي (المعدل بحسب التضخم) وترتفع المدخرات، ومن المتوقع أن يدعم كلا الأمرين إنفاق الأسر، وأن تكون الاقتصادات في جنوب أوروبا أكثر مرونة من تلك الموجودة في الشمال.
وكتب ستين في مذكرة للعملاء، “نتوقع تباطؤ النمو في مختلف أنحاء الجنوب العام المقبل، لكننا نرى قدرة أكبر على الصمود في مواجهة التوترات التجارية والضغوط التنافسية من جانب الصين مقارنة بالشمال”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المرجح أن يؤدي تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى ضعف سوق العمل الأوروبية العام المقبل، ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة، الذي بلغ 6.3 في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 6.7 في المئة بحلول أوائل عام 2026، بحسب ما يضيف ستين.
انخفض التضخم منذ الصيف، ومن المتوقع أن يعود التضخم العام والأساس لمعدل مستدام يبلغ اثنين في المئة بحلول نهاية العام المقبل مع تباطؤ التضخم في الخدمات.
انخفاض قيمة اليورو
لكن التوقعات في شأن التضخم تظل غير مؤكدة بصورة ملاحظة، كما كتب ستين، إذ يشير انخفاض قيمة اليورو إلى ضغوط تضخمية أشد من المتوقع، ومن ناحية أخرى قد يكون التضخم أكثر هدوءاً في ظل ضعف سوق العمل وفي حال فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية أعلى من المتوقع على الصين، وهو ما قد يحفز الصين على بيع السلع الزائدة بأسعار مخفضة في أوروبا.
بحسب كبير محللي الاقتصاد في “غولدمان ساكس”، من المرجح أن يفرض تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض التضخم ضغوطاً على البنك المركزي الأوروبي لخفض أسعار الفائدة، وأن يخفض مجلس المحافظين سعر الفائدة على الودائع إلى 1.75 في المئة في يوليو (تموز) المقبل، من 3.25 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي حين أن خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أكثر احتمالاً من خفضها بمقدار 50 نقطة أساس، فإن هناك “عقبة ضئيلة أمام زيادة وتيرة النمو في الربع الأول إذا جاءت بيانات النمو والتضخم مخيبة للآمال بصورة ملاحظة”، كما كتب ستين.
حدد رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي سياسات من شأنها أن تساعد في تعزيز الإنتاجية وتوسع الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا، لكن هناك عقبات كبيرة أمام التنفيذ، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتمويل المشترك للاتحاد الأوروبي، وهو ما دعا ستين إلى التعليق “مع ذلك، نرى مجالاً لإنفاق دفاعي إضافي من جانب الاتحاد الأوروبي وبعض التناغم التنظيمي اعتباراً من العام المقبل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية