«حقنة البرد الثلاثية».الوهم العلاجي والخطر القاتل

الصحة: «حقنة البرد» تركيبة عشوائية تُهدد المرضى وتضعف المناعة

مواطنون: الخلطة السحرية مسكن سريع والآثار الجانبية مرعبة

استشارى صدرية: «حقنة البرد» ليست علاجًا طبيًا.. وتحمل مخاطر قاتلة

صيدلى: الاستخدام العشوائى للحقن قد يؤدى إلى الموت.. واختبار الحساسية مطلوب

 

مع دخول فصل الشتاء وارتفاع معدلات الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا، تتزايد محاولات البحث عن علاج سريع وفعّال للتخفيف من الأعراض المزعجة مثل الحمى، وآلام الجسم، والتهاب الحلق. فى ظل هذا المشهد، برزت «حقنة البرد الثلاثية» كحل شائع يتم وصفه فى الصيدليات وبعض المراكز الطبية، حيث يُقبل عليها المرضى طلبًا للراحة السريعة من أعراضهم.

تتكون هذه الحقنة غالبًا من مزيج من مسكن للألم وخافض للحرارة، مثل الفولتارين، مع كورتيزون سريع المفعول مثل الديكساميثازون لتقليل الالتهابات، بالإضافة إلى مضاد حيوى لمحاربة العدوى البكتيرية. ومع هذا الوصف الذى يبدو مثاليًا، إلا أن المخاطر الصحية المرتبطة باستخدامها أصبحت محور نقاش واسع بين الأطباء والمتخصصين.

تحذر الأوساط الطبية من أن الاستخدام العشوائى لهذه الحقنة قد يؤدى إلى مضاعفات خطيرة، بدءًا من ردود الفعل التحسسية الحادة، التى قد تصل إلى صدمة حساسية مهددة للحياة، مرورًا بتأثيرات الكورتيزون التى تضعف الجهاز المناعى عند استخدامه بشكل مفرط، وصولًا إلى مشكلات مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية بسبب سوء الاستخدام. ورغم كل هذه المخاطر، تستمر «حقنة البرد الثلاثية» فى الانتشار، بدافع الراحة السريعة، ومن دون إشراف طبى مناسب فى كثير من الأحيان.

يُثير انتشار هذه الحقنة تساؤلات عديدة: هل هى علاج فعال لنزلات البرد التى غالبًا ما تكون فيروسية ولا تحتاج لمضادات حيوية؟ ولماذا أصبحت شائعة رغم التحذيرات الطبية؟ وهل يمكن اعتبارها حلًا آمنًا أم أنها مجرد مخاطرة تُعرض حياة المرضى لمضاعفات أكبر؟

الشفاء السريع!

لكن، وبينما يرى العديد من المرضى فى هذه الحقنة وسيلة سريعة للتخلص من الأعراض، تستعرض الوفد آراء عدد من المرضى الذين حصلوا على حقنة البرد الثلاثية.

يقول «حسن علي»، موظف فى الأربعينيات من عمره، والذى حصل على «حقنة البرد» أكثر من مرة: «أنا عادة ما أتعرض لنزلات برد شديدة فى فصل الشتاء، وفى كل مرة أسعى للحصول على هذه الحقنة من الصيدلية لأنها توفر لى راحة سريعة. بعد الحقنة، أشعر بتحسن فورى فى حالتي، وكأننى عدت إلى حياتى الطبيعية بعد ساعات».

وفى المقابل، تشير «سارة مصطفى»، ربة منزل فى الثلاثينيات من عمرها، إلى تجربتها المختلفة مع «حقنة البرد»، حيث تقول: «عندما أخذتها فى المرة الأولى، تحسنت بشكل سريع، لكن بعد فترة شعرت بأعراض جانبية مثل الدوخة وآلام المعدة، وفى آخر مرة، ظهر لدى طفح جلدى خفيف. بعدها توقفت عن استخدامها إلا إذا كنت بحاجة ماسة».

ومن جانب آخر يضيف أحمد علي، أحد مستخدمى الحقنة: «كنت أعانى من نزلة برد شديدة، وسمعت عن هذه الحقنة من بعض الأصدقاء. شعرت بتحسن سريع بعد أخذها، لكن بعدها بأيام عادت الأعراض، وكانت أشد من قبل». يعبر أحمد عن ندمه قائلًا: «لو علمت بالمخاطر، لكنت فضّلت تناول أدوية آمنة بالتشاور مع الطبيب».

تحذير

وفى سياق متصل، حذّر الدكتور محمود عبدالمجيد، استشارى الأمراض الصدرية ومدير مستشفى صدر العباسية سابقًا، من تناول أى علاج دون وصفة طبية معتمدة من طبيب مختص، مشددًا على أن الاعتماد على الصيادلة أو غير المختصين لتحديد العلاج يُعتبر خطأ كبيرًا قد يُعرّض حياة المريض لمضاعفات صحية خطيرة.

وبخصوص حقنة البرد السحرية، قال عبدالمجيد فى تصريحات خاصة للوفد، إنه لا يمتلك معلومات كافية حول ما يُعرف بـ«إبرة البرد الثلاثية»، مؤكدًا أنه لم يسمع عن هذا العلاج من قبل. وأضاف: «ما أعلمه هو أن هذه الإبرة قد تحتوى على مادة الكورتيزون، ولكن ليس لدى معلومات دقيقة أو موثوقة عنها، كما أنها ليست من العلاجات التى درسناها أو استخدمناها فى الممارسة الطبية. لذا، لا يمكننى تقديم رأى محدد بهذا الشأن».

وفيما يتعلق بعلاج نزلات البرد، أوضح الدكتور عبدالمجيد أن الأعراض البسيطة مثل الرشح وارتفاع طفيف فى درجة الحرارة أو التهاب الحلق، غالبًا ما تُعالج من خلال الراحة وتناول السوائل الدافئة خلال اليومين أو الثلاثة الأولى من الإصابة، دون الحاجة إلى أدوية مكثفة. وأضاف أن حالات الالتهاب الرئوى البسيط لدى البالغين يمكن التعامل معها فى المنزل، بشرط ألا تكون لدى المريض مشكلات صحية مزمنة أو من الفئات العمرية الأكثر عرضة للخطر، مثل الأطفال وكبار السن. أما فى الحالات الشديدة أو لدى الأشخاص المعرضين لمضاعفات، يُفضل العلاج داخل المستشفى لضمان متابعة دقيقة لنسبة الأكسجين فى الدم.

وأشار عبدالمجيد إلى أهمية اللقاحات فى الوقاية من الأمراض الموسمية، موصيًا بلقاحين أساسيين خلال فصل الشتاء. الأول هو لقاح الإنفلونزا الموسمية، الذى يجب أن يحصل عليه صغار السن المصابون بحساسية الصدر، وكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة أو الأمراض المزمنة مثل السكرى غير المُتحكم فيه، أو الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة. وبيّن أن هذا اللقاح يُسهم فى تقليل خطر تطور الإنفلونزا إلى التهابات رئوية خطيرة.

أما اللقاح الثاني، فهو لقاح المكورات الرئوية، الذى يُوصى به لمن تجاوزوا سن 65 عامًا أو الذين يعانون من ضعف المناعة وأمراض مزمنة تتطلب أدوية مثبطة للمناعة، بالإضافة إلى الأطفال الذين يعانون من مشكلات مزمنة مثل حساسية الصدر أو الذين يتعرضون لالتهابات رئوية بشكل متكرر.

واختتم بتأكيد أهمية اتباع أساليب الوقاية العامة إلى جانب التطعيمات، مثل غسل اليدين بانتظام، وتناول الغذاء الصحى المتوازن الغنى بالعناصر الغذائية التى تدعم جهاز المناعة.

أوضح الدكتور مينا، صيدلي، أن ما يُعرف بـ«الحقنة الثلاثية»، والتى تتكون من مسكن مثل الفولتارين، وكورتيزون مثل الديكساميثازون، ومضاد حيوي، قد تُسبب مشكلات صحية خطيرة إذا لم يتم استخدامها بشكل صحيح. وأشار إلى أن المشكلة الأساسية تكمن فى المضاد الحيوي، حيث قد يحتوى أحيانًا على شوائب أو يتم إعطاؤه دون التأكد من ملاءمته للحالة الصحية، ما قد يؤدى إلى رد فعل تحسسى حاد يُعرف بـ«الصدمة التحسسية» (Anaphylactic shock)، التى قد تُعرض حياة المريض للخطر.

اختبار حساسية

وأكد مينا لـ«الوفد» أن أى خطأ أو تلوث فى تصنيع المضاد الحيوي، أو فى حالة وجود حساسية غير مكتشفة لدى المريض، قد يؤدى إلى حساسية مفرطة قد تصل إلى الوفاة.

وفيما يتعلق بالإجراءات الوقائية، شدد على أهمية إجراء اختبار حساسية قبل إعطاء الحقنة التى تحتوى على مضاد حيوى. وقال: «اختبار الحساسية يتم بوضع كمية صغيرة من الدواء على الجلد وملاحظة أى تفاعل، مثل الاحمرار أو التورم. إذا ظهرت أى علامة تحذيرية، فلا ينبغى إعطاء الدواء».

وأضاف أن بعض الصيدليات تُفضل تقديم مكونات الحقنة الثلاثية بشكل منفصل، مثل الفولتارين والديكساميثازون، وتوجيه المريض للحصول على المضاد الحيوى من خلال طبيب مختص أو فى مستوصف طبى لضمان سلامة الدواء وتجنب أى مضاعفات.

وحذر من تناول أى دواء أو حقنة دون وصفة طبية، مؤكدًا أن الاستخدام العشوائى للمضادات الحيوية يُعد من أخطر الممارسات التى قد تُعرض المرضى لمشاكل صحية جسيمة.

الحقنة.. فنكوش

حذرت وزارة الصحة والسكان من استخدام ما يُعرف بـ«حقنة البرد» أو «الخلطة السحرية»، مؤكدة عدم وجود أى مستحضر طبى يحمل هذا الاسم أو مركب طبى معتمد لعلاج نزلات البرد عبر حقنة واحدة.

وأوضحت الوزارة أن هذه الحقنة تحتوى عادةً على الكورتيزون، والذى يمكن أن يؤدى الإفراط فى استخدامه إلى ضعف المناعة وأضرار صحية خطيرة، خصوصًا لمرضى السكرى وارتفاع ضغط الدم.

وأضافت الوزارة أن «حقنة البرد» تتضمن أيضًا مضادًا حيويًا، وهو غير فعال فى علاج نزلات البرد لأنها عدوى فيروسية، بينما تُستخدم المضادات الحيوية لعلاج العدوى البكتيرية فقط. وأشارت إلى أن الإفراط فى استخدام المضادات الحيوية يساهم فى زيادة مقاومة الجسم لها على المدى البعيد.

كما أشارت الوزارة إلى أن هذه التركيبة تحتوى على مسكنات للآلام وخافضات للحرارة، والتى قد تؤدى كثرة استخدامها إلى مشاكل صحية خطيرة مثل قرحة المعدة، اختلال وظائف الكلى، ومضاعفات لمرضى الكبد، القلب، السكر، والربو.

وأكدت وزارة الصحة أن «حقنة البرد» لا تستند إلى أى أساس علمى أو طبي، وقد تشكل خطرًا كبيرًا على صحة المريض، حتى وإن شعر بتحسن مؤقت. وحذرت الوزارة من استخدام هذه التركيبة الاجتهادية، داعية إلى تجنبها تمامًا لما تحمله من أضرار جسيمة على الصحة.

 

نقلاً عن : الوفد