خلص تقرير صدر حديثاً للبنك الدولي بعنوان “الإنصاف والفاعلية في النظام الجبائي التونسي” إلى أن الالتزام الضريبي الثقيل المفروض حالياً على العمل، بما في ذلك اشتراكات الضمان الاجتماعي الكبيرة لأصحاب الدخل المنخفض، قد يشجع على العمل بالقطاعات الموازية، ويثني عن التشغيل ويخفض من الأجور.
وسلط التقرير الصادر في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري الضوء على الحاجة إلى تعزيز الشفافية داخل النظام الضريبي في تونس، لضمان الإنصاف والمحاسبة.
وقال معدو التقرير “في حين تحقق تونس مستوى مرتفعاً نسبياً من عائدات الضرائب، فإن النظام الضريبي يمكن أن يكون أكثر إنصافاً وفاعلية”، مشيرين إلى أن ارتفاع الإيرادات الضريبية كان بوتيرة أسرع من الاقتصاد في العقدين الماضيين.
ومع ذلك تشير التحليلات الجديدة للبنك الدولي في تونس إلى أن هذا الانخفاض في الضرائب على الشركات قد لا يكون فعالاً في زيادة الاستثمار والتشغيل.
ويتوقع التقرير نمواً للاقتصاد التونسي 1.2 في المئة لعام 2024، في مقابل توقعات لحكومة كمال المدوري بإنهاء البلاد لهذا العام على نمو 1.6 في المئة.
إلى ذلك تتجه تونس بصورة متزايدة إلى مصادر التمويل الداخلية، إذ ارتفع الدين المحلي من 29.7 في المئة من إجمالي الدين العام في عام 2019 إلى 51.7 في المئة بحلول أغسطس (آب) 2024.
ويؤدي هذا التوجه إلى تحويل نسبة متزايدة من تمويلات البنوك إلى حاجات الحكومة، بدلاً من بقية قطاعات الاقتصاد، كما أنه يمثل أيضاً لتحدياً بالنسبة إلى استقرار العملة والأسعار.
تحقيق التوازن
ويؤكد التقرير على أن النظام الجبائي (الضريبي) في تونس، في حاجة إلى تحقيق مزيد من التوازن ما بين الضرائب المفروضة على العمل وتلك على رأس المال، وذلك بغية اعتماد مقاربة أكثر إنصافاً.
مشيراً إلى أن فرض ضريبة سنوية على العقارات، وزيادة الضرائب على الوقود في عام 2023 خطوات إيجابية، ويمكن للبلاد أن تحقق نتائج أفضل من خلال تعزيز توازن هيكلها الضريبي، وتدعيم آلية الضريبة على الكربون، بالتالي تعزيز إطار اقتصادي أكثر توازناً واستدامة.
وتعليقاً على ذلك قال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو، “على رغم التحديات المستمرة إلا أن الاقتصاد التونسي يواصل إظهار قدرته على الصمود، إضافة إلى بروز آفاق جديدة”، مضيفاً “يظل البنك الدولي ملتزماً بدعم تونس في مواجهة التحديات التي أشار إليها التقرير، لا سيما لدعم النمو وتنمية القطاع الخاص”.
تأثير مستوى النمو في عائدات الضرائب
ونمت الإيرادات الضريبية 10 في المئة في الأشهر الستة الأولى من 2024، مقارنة بالفترة نفسها من 2023، وهي زيادة أقل من المتوقعة في موازنة الدولة في 2024 التي تتوقع 16 في المئة.
وقد أثر انخفاض نمو الضرائب غير المباشرة، وخصوصاً الرسوم، في القيمة المضافة (خمسة في المئة) والجمارك (أربعة في المئة)، على الأرجح بسبب تباطؤ النمو، في تطور الإيرادات الضريبية الإجمالية، التي كانت أعلى من الفترة نفسها من 2023 (سبعة في المئة)، وكذلك معدل التضخم.
وسمح تراجع نمو كتلة الأجور في القطاع العام بتحقيق توازن الموازنة على أساس نقدي في النصف الأول من العام على رغم الأداء الضريبي، ولا يزال الرفع من النفقات الرأسمالية العامة محدوداً من خلال إعادة توجيه النفقات الجارية ذات الإنتاجية المتدنية أمراً أساسياً لإنعاش النمو الاقتصادي.
الضرائب ترتفع أكثر من الاقتصاد
من جانبه اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن “الضرائب في تونس غير كافية لتغطية نفقات الدولة”، مستدركاً “لكن إيراداتها مرتفعة مقارنة ببعض الدول النامية”.
وأوضح في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أنه في العقدين الماضيين، ارتفعت الضرائب بوتيرة أسرع من الاقتصاد مدفوعة بالأساس بنمو حصة الضرائب على دخل الأشخاص الطبيعيين، في مقابل انخفاض حصة الضريبة على دخل الشركات غير مصحوبة بارتفاع نسق الاستثمار والتشغيل.
وأشار إلى أن السياسة الضريبية في تونس أدت إلى تحويل عبء الضرائب المباشرة من رأس المال إلى العمل بسبب خفض الضرائب على الشركات، مما زاد في العبء الضريبي على دخل العمل مع إضافة المساهمات الاجتماعية، وهو ما رفع كلفة العمالة بالنسبة إلى المشغلين وحد من حوافزهم للتوظيف الرسمي.
وتابع “الفارق ما بين معدل الضريبة الفعلي على العمل وعلى رأس المال في تونس هو الأعلى من بين البلدان النامية”.
ودعا الشكندالي إلى إعادة التوازن ما بين الضريبة على دخل العمل والضريبة على دخل رأس المال مع استخدام الضرائب غير المباشرة، بما في ذلك فرض ضريبة واسعة النطاق على الكربون، حتى تتمكن تونس من زيادة فاعلية وعدالة نظامها الضريبي.
جدل ضريبي
وأدى مقترح الحكومة التونسية ضمن مشروع قانون المالية لعام 2025، الخاص بتعديل جدول الضريبة على الأجراء (العمال) في القطاعين العام والخاص، إلى جدل كبير وصل إلى رفض عدد من النقابات القطاعية التي أصدرت بياناً شديد اللهجة، لوحت خلاله إلى إمكان الدخول في تحركات احتجاجية الأيام المقبلة.
وأكدت أربع جامعات عامة نقابية تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل في بيان مشترك رفضها للفصل الـ31 معدلاً من مشروع قانون المالية الخاص بجدول الضريبة على الدخل.
وعبرت عن رفضها هذا التعديل الجديد الذي سيوظف أعباء ضريبية إضافية على جزء مهم من الأجراء من الطبقة الوسطى، مما سينعكس سلباً على أجورهم الصافية.
وطالبت جامعات البنوك والتعليم العالي والنفط والأطباء الجامعيين بالمراجعة الفورية لمضمون الفصل بطريقة تضمن عدم الخفض في الأجور الصافية لجميع الأجراء في القطاعين العام والخاص، مؤكدة استعدادها لخوض الأشكال النضالية المشروعة كافة، من أجل الدفاع عن حق منظوريها وعلى قدرتهم الشرائية.
ونبهت الأطراف النقابية إلى أن هذا الإجراء الجبائي سيؤدي إلى تفاقم ظاهرة هجرة الكفاءات العليا التونسية إلى الخارج، في وقت بلغت فيه هذه الظاهرة أرقاماً مفزعة، مقترحة وضع خطة جديدة لتحفيزها بدل دفعها إلى مغادرة البلاد.
واعتبرت أن الفصل 31 تضمن تمييزاً مادياً ومعنوياً ضد الطبقات الوسطى العليا من الأجراء وحط من عزائمهم عبر استبطانه لصورة مغلوطة في كونهم من الطبقات الميسورة والمرفهة، في حين أنهم كغيرهم من الطبقات المتوسطة يشكون تدهور قدراتهم الشرائية في ظل أجور متدنية، مقارنة بنظرائهم إقليمياً ودولياً وتضخم مالي مرتفع ومتواصل.
نظام مجحف
من جهته أقر المتخصص المالي بسام النيفر أن النظام الضريبي في تونس مجحف وغير عادل في جزء كبير منه، إذ يفرض ضرائب على الإجراء (العمال)، وأضعف قدرتهم الشرائية وأنهكهم في السنوات الماضية في مقابل خفض في الضرائب على الشركات بهدف جذب الاستثمار ودفع التشغيل، وأشار في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إلى أن السياسة الضريبية في تونس المعتمدة في البلاد في العقدين الأخيرين بتحويلها من رأس المال إلى الإجراء، عمقت الهوة الاجتماعية والفوارق في الإيرادات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن جانب كبير ومهم في العائدات الضريبية في تونس تتأتى من الضرائب على الأجور التي تصل إلى نحو 70 في المئة من إجمالي عائدات الضرائب العامة السنوية في الموازنة.
واقترح النيفر طرقاً أفضل لدعم النظام الضريبي في البلاد حتى يكون أكثر إنصافاً، من خلال تخفيف الضرائب على المواطن وزيادتها على الشركات بإقرار ضريبة الكربون، على غرار ما هو مطبق في دول الاتحاد الأوروبي، مما يعجل بخطة الانتقال الطاقي في البلاد وفرض ضرائب غير مجحفة على الشركات.
اختلال توزيع العبء الضريبي
وكثيراً ما دعا المرصد التونسي للاقتصاد (مستقل) إلى إصلاح ضريبي يضمن المساهمة العادلة لكل الفاعلين الاقتصاديين في الموارد الجبائية، ويعزز الموارد الذاتية للدولة من أجل مزيد الاستثمار في الخدمات الاجتماعية والحد من الحاجة إلى التداين.
وأكد أن واقع السياسات الضريبية المتعاقبة عززت اختلال توزيع العبء الجبائي، فعلى رغم مستوى الضغط الجبائي الذي بلغ 25 في المئة عام 2024 ، إلا أنه يشهد توزيع الموارد الجبائية عدم توازن مستمر.
في غضون ذلك يرى المرصد أن الضريبة على الدخل والأداء على القيمة المضافة تسهم بأكثر من نصف الموارد الجبائية، فيما لن تتجاوز مساهمة الضريبة على الشركات 13 في المئة من مجموع الموارد الجبائية في 2024.
وتابع “الإصلاحات الضريبية شملت أيضاً الضريبة على الدخل لتخلق لنا جدولاً ضريبياً بتصاعدية منقوصة، فمنذ أن كان لنا جدول ضريبي يحتوي على 18 شريحة ضريبة تصل فيه نسبة الضريبة إلى 68 في المئة قبل عام 1986، أصبح لدينا جدول ضريبي ذو خمس شرائح لا تتجاوز نسبة الضريبة فيه 40 في المئة في استثناء لمساهمة أكثر عدالة من الأفراد الأكثر دخلاً”.
ويعتبر المرصد التونسي للاقتصاد في قراءاته للإصلاحات المطروحة، من المهم تحقيق نظام جبائي أكثر تصاعدية تكون الضريبة فيه آلية لإعادة توزيع الثروة وتقليص الفوارق من دون أن تحتكر وحدها لتحقيق الأهداف الاقتصادية الظرفية.
وخلص بالتأكيد على أنه كانت مقترحات الإصلاح متناغمة مع منحى العدالة الجبائية، قد لا تبلغ غايتها لضعف حدتها، وعدم قدرتها على جعل الأشخاص الأكثر ثراء والشركات الأكبر حجماً يدفعون نصيبهم العادل من الضريبة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية