اجتاحت الأعاصير الولايات المتحدة هذا العام مودية بحياة أكثر من 200 شخص ومتسببة في أضرار وخسائر اقتصادية تجاوزت قيمتها 500 مليار دولار، فيما واجهت المجتمعات المحلية فيضانات ورياحاً مدمرة حملتها معها العواصف.
هكذا، فإن إجمال الخسائر الذي يقارب نصف مليار دولار يجعل موسم 2024 أحد أكثر المواسم كلفة على الإطلاق، وفق تقرير صادر عن “أكيو ويذر” أو “أكيو للطقس” AccuWeather، الشركة العالمية المتخصصة في توفير خدمات التنبؤ بالطقس والمعلومات الجوية.
وقال مؤسس “أكيو ويذر” الدكتور جويل مايرز في بيان له إن الأضرار وصور المعاناة الناجمة عن هذه الأعاصير تكون غالباً أكبر بأشواط من الأرقام الواردة في التقارير الأولية والخسائر التي تغطيها شركات التأمين عادة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح مايرز أن “التأثيرات الطويلة المدى التي تخلفها الكوارث المناخية تضر بصحة الناس وجودة حياتهم، مما يؤثر سلباً في طول أعمارهم. ويكابد الناس صدمات نفسية ويفقدون ممتلكاتهم، وفي النهاية يجدون أنهم لا يملكون الموارد المالية الكافية لإعادة الإعمار، ودفع النفقات الصحية ثم تأمين الأموال اللازمة للتقاعد خلال وقت لاحق من حياتهم”.
تذكيراً وصلت خمسة أعاصير إلى اليابسة في الولايات المتحدة المتجاورة [الولايات الـ48 التي تشكل الجزء الرئيس من البلاد باستثناء ألاسكا وهاواي] هذا العام، على رغم أن شركة التنبؤ بالطقس أضافت إلى تقريرها أيضاً تقديرات خاصة بخسائر خلفتها عاصفة وقعت على طول الساحل الجنوبي الشرقي، ولكن لم تحصل على اسم رسمي [من “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”]. ويعتقد خبراء في الشركة أن هذا النظام الجوي كان ينبغي تصنيفه على أنه عاصفة شبه استوائية.
ويحتل هذا الموسم المرتبة الخامسة في عدد الأعاصير، علماً أنه منذ عام 1850 لم تشهد سوى ثلاثة مواسم سابقة فقط عدداً أكبر من الأعاصير التي تضرب اليابسة خلال عام واحد. وكان العام الماضي احتل المرتبة الرابعة في العواصف المحددة بأسماء رسمية [من “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” لتعريفها ومتابعتها].
وذكرت “أكيو ويذر” إن “هيلين” كان مسؤولاً عن نحو نصف التقدير الأولي للخسائر البالغ 500 مليار دولار، إذ راوحت الكلفة الناجمة عن الإعصار بين 225 و250 مليار دولار. ومعظم هذه الأضرار غير مغطى في التأمين.
وسجلت ولاية كارولاينا الشمالية (المعروفة باسم “تار هيل”) أكبر عدد من الوفيات في أعقاب “هيلين”، فيما ارتفعت حصيلة القتلى إلى 103 أشخاص الأسبوع الماضي. وأطلق الإعصار العنان لـ42 تريليون غالون (نحو 10 مليارات متر مكعب) من الأمطار المهولة، أي ما يعادل تدفق مياه شلالات نياغرا لمدة عامين تقريباً. كذلك قال مسؤولون محليون إن مناطق كثيرة، من بينها مقاطعة بونكومب التي تضررت بشدة، لن تتعافى من أضرار الإعصار قبل أعوام.
حل إعصار “ميلتون” Milton في المرتبة الثانية، إذ راوحت قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية التي تسبب بها ما بين 160 و180 مليار دولار وفق التقديرات. أما “بيريل” Beryl الذي كان أول إعصار في الموسم والأقوى على الإطلاق الذي يضرب المحيط الأطلسي خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، فبلغت كلف أضراره بين 28 و32 مليار دولار. واحتل “ديبي” Debby، الذي عصف أيضاً بمنطقة بيغ بيند في فلوريدا، المركز الرابع في الخسائر المترتبة. وقدرت كلفة “فرانسين” Francine وعاصفة لم تحصل على تسمية رسمية طاولت ولاية كارولاينا الشمالية، بأقل من 10 مليارات دولار.
في عام 2024، كانت تأثيرات الأعاصير أكبر وأشد على سكان المجتمعات الريفية والساحلية مقارنة مع المجتمعات الأخرى، إذ اضطر بعضهم إلى الإقامة في خيام على مدى أسابيع بعد مرور العواصف. وبعد انقطاع طويل، لم يحصل سكان شمال كارولاينا في آشفيل على مياه الشرب إلا خلال الأسبوع الماضي، فيما واجه سكان فلوريدا مشكلة الفيضانات الناجمة عن “ميلتون” طوال شهر بعد وصول العاصفة إلى اليابسة.
وتحدث في هذا الشأن أيضاً كبير خبراء الأرصاد الجوية في “أكيو ويذر” جون بورتر فقال إن “موسم الأعاصير كان مكلفاً ومدمراً بصورة مهولة. ودمرت المجتمعات الساحلية بفعل الرياح وارتفاع مستوى مياه البحر الناجم عن العواصف. وألحقت الفيضانات الكارثية أضراراً كبيرة وواسعة بمدن جبلية تبعد من الشاطئ مئات الأميال. لقد دمرت الأعاصير المنازل والأعمال التجارية على بعد أكثر من 1000 ميل (1609 كيلومترات) من المكان حيث ضرب إعصار “بيريل” اليابسة.
ويذكر أن الخسائر التي تبلغ قيمتها وفق “أكيو ويذر” 500 مليار دولار تعادل نحو اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
وقالت “أكيو ويذر” إن تقديرات أخرى للأضرار الاقتصادية والخسائر الناتجة من الإعاصير لا تأخذ في اعتبارها بعض العوامل المهمة في حساباتها. وتشمل هذه العوامل الكلف الطبية الطويلة الأجل والخسائر التي لا تغطيها شركات التأمين، وفقدان الوظائف والأجور والخسائر في المحاصيل الزراعية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية إضافة إلى تعطيل الأعمال وسلسلة الإمداد، وكلف إجلاء السكان من المناطق المتضررة ونقلهم إلى مناطق آمنة، والتأثيرات السلبية في قطاع السياحة على المدى الطويل، ولا ننسى تأخير الرحلات الجوية وإغلاق المطارات ونفقات إدارة الطوارئ والحكومة.
وأوضح مايرز “منذ عام 2018 قلنا إن كثيراً من التقديرات المتعلقة بالأضرار الناجمة عن الأعاصير تبقى متدنية جداً، إذ تركز غالباً على الأضرار التي تغطيها بوليصات التأمين، والتي من شأنها أن تصل إلى خمسة أو 10 في المئة من إجمال الخسارة الاقتصادية، ناهيك بتأثير فقدان الوظائف وكلف الرعاية الصحية على المدى الطويل”.
وأضاف “تنهار شركات أو تتوقف عن العمل وتفقد القوى العاملة وظائفها، وينزح الناس قسراً عن مناطقهم ويلحق الدمار بالمنازل، وذلك كله لا تغطيه شركات التأمين. ضاعت هذه الأموال إلى الأبد، ويترك ذلك تأثيراً طويل المدى على المجتمعات”.
واعتباراً من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، سجلت الجهات المتخصصة 24 حدثاً كارثياً مرتبطاً بالطقس والمناخ في الولايات المتحدة تجاوزت خسائرها مليار دولار، وشملت أربعة أعاصير استوائية و17 عاصفة شديدة الوطأة.
أدت تلك الأحداث المناخية إلى موت 418 شخصاً، وفق “الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي”.
وأشار موقع “أكيو ويذر” إلى أن تقريراً صادراً عن “غرفة التجارة الدولية” International Chamber of Commerce يشير إلى أن الطقس المتطرف والتأثيرات المرتبطة بتغير المناخ كلفا الاقتصاد العالمي أكثر من تريليوني دولار خلال العقد الماضي. وإضافة إلى ذلك، فإن تغير المناخ يسهم في جعل الأعاصير أكثر قوة ويفاقم سرعتها.
نقلاً عن : اندبندنت عربية