علماء يدقون ناقوس الخطر حول كارثة تهدد العالم

في حال انهيار النظام هذا سيكون للحدث عواقب مدمرة، تشمل موجات جفاف شديدة، وبرد قارس في أوروبا، وارتفاع مستويات البحار، كما ستتراجع قدرة المحيطات، التي تعتبر رئة الأرض لامتصاص الكربون، على احتواء كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي ينتجها احتراق الوقود الأحفوري.

يعد النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي، المعروف علمياً باسم “دورة انقلاب خط الزوال الأطلسي” (اختصاراً “آموك”) Atlantic Meridional Overturning Circulation (AMOC) نظاماً من التيارات البحرية العميقة التي تعمل كمنظم حراري لكوكب الأرض، حيث تنقل المياه الدافئة نحو الشمال والباردة نحو الجنوب داخل المحيط الأطلسي، مما يساعد في توزيع الحرارة على مختلف مناطق العالم.

وباعتباره جزءاً من الحزام الناقل العالمي، وهو نظام متحرك باستمرار من التيارات العميقة المدفوعة بتغيرات الحرارة والملوحة، فإنه يحمل أيضاً العناصر الغذائية الضرورية للحفاظ على الحياة البحرية، لكن مع زيادة تدفق المياه العذبة إلى المحيط تتباطأ هذه التيارات، لأن المياه العذبة أقل كثافة من المياه المالحة التي تساعد في تحريكها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورغم وجود تساؤلات سابقة في شأن مدى تراجع أو تقوض “آموك” في السنوات الأخيرة، فقد كشفت الأبحاث التي نشرت هذا العام عن نتائج مقلقة للغاية.

إذ حذرت دراسة جديدة من جامعة نيو ساوث ويلز (أستراليا) من تأثير ذوبان جليد غرينلاند والأنهار الجليدية الكندية، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تسهم في إضعاف الدورة المحيطية وتسريع الاحترار في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

وقال مؤلفو الدراسة، إن “آموك” الذي أصبحت أضعف مما كان عليه في أي وقت خلال الألفية الماضية، من المحتمل أن يضعف بنسبة الثلث عما كان عليه قبل 70 عاماً، عندما تتجاوز درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ارتفاع بهذا المستوى يعني أن البشر قد يواجهون تأثيرات متعددة لتغير المناخ في وقت واحد.

وأشارت الدراسة إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار ذوبان الجليد الإضافي في غرينلاند بالمحيط شبه القطبي، فإن النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي قد يضعف بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2040، أي قبل 20 عاماً من التوقعات السابقة.

وتعليقاً على هذه النتائج، يرى الدكتور ستيفان رامستورف، صاحب الخبرة الطويلة في دراسة “آموك”، أن العالم يجب أن يستعد لتراجع أسرع مما توقعته “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة” في تقاريرها السنوية. يُذكر أن رامستورف لم يشارك في الدراسة المذكورة.

وكتب في تغريدة على منصة “إكس” “من المحتمل جداً (ما بين 90 و100 في المئة) أن يضعف النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي أسرع من التوقعات في نماذج ’سي أم آي بي6‘ CMIP6 إذا تم أخذ تأثير المياه الذائبة في الحسبان”. وأضاف، “تعد هذه أخبار سيئة، لأنها تزيد من خطر الوصول إلى النقطة التي ينهار عندها ’آموك‘”.

وقال رامستورف، وهو أستاذ في فيزياء المحيطات ورئيس قسم تحليل أنظمة الأرض في “معهد بوتسدام لأبحاث التأثير المناخي” Potsdam Institute for Climate Impact Research في ألمانيا، لـ”اندبندنت”، إن “أكبر تحد هو معرفة مدى قرب كوكبنا من لحظة الصفر أو الانهيار”.

وأوضح، “أشبه الوضع بالإبحار في مياه مجهولة، وأنت تعلم أن هناك صخوراً تحت سطح الماء لا تستطيع رؤيتها ولا تحديد مكانها، وهذا هو التحدي الذي نواجهه الآن”.

ولفت إلى أن انهيار “آموك” لن يحصل بشكل مفاجئ بل ستتراجع تدريجياً على مدى 50 إلى 100 عام بعد ذلك. وأكد أن الوصول إلى النقطة التحول في غضون عقود قليلة أمر محتمل جداً.

وأشار رامستورف إلى أن تأثيرات الانهيار قد تكون شديدة للغاية، رغم أنها تتطلب مزيداً من الدراسات لفهمها بشكل كامل.

وقال، “الأهم من ذلك، هو العمل على منع حدوث ذلك بدلاً من التركيز على تفاصيل عواقبه. وبالطبع، نأمل أن نتمكن من تحقيق الأمرين معاً”.

وكان رامستورف من بين 44 عالماً من مختلف دول العالم وقعوا أخيراً رسالة مفتوحة إلى مجلس وزراء دول الشمال الأوروبي Nordic Council of Ministers [منتدى حكومي دولي أنشئ بعد معاهدة هلسنكي (1962) وتهدف إلى التعاون بين دول الشمال الأوروبي]، محذرين من الأخطار الكبيرة لتجاوز النقطة التحول.

من بين الموقعين على الرسالة أستاذة في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد ويي ليو والدكتورة أناستاسيا رومانو من وكالة ناسا.

وقبل نشر الدراسة الأسترالية، قالت رومانو لـ”اندبندنت”، “على سبيل المثال، ما صرحت به الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، بأنه لا يتوقع حدوث ذلك قبل عام 2100. لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن الهيئة اعتمدت على نماذج لم تأخذ في الاعتبار انهيار الأغطية الجليدية أو الأحداث الاستثنائية الكبيرة، مثل تلك التي شهدناها في العامين الماضيين”.

وأوضحت أنه رغم عدم اليقين حول الإطار الزمني، فإن الانهيار سيحدث في غضون عقود فقط، لكنه “لن يستغرق وقتاً أطول من ذلك”. سواء حدث في 20 أو 30 أو 50 عاماً، “فإنه سيكون كارثياً”.

وأكدت، “يجب علينا اتخاذ إجراءات فورية لتجنب هذه الآثار في المستقبل”.

ما هي الإجراءات التي يجب أن يتخذها العالم؟ لكثيرين كان الحل واضحاً منذ فترة طويلة. علينا الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري المستمرة من خلال خفض انبعاثات الغازات المسببة لها.

وقال ليو في مقابلة منفصلة، “من المهم أن نتخذ خطوات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة”، مشيراً إلى أن تأثيرات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السابقة ستظل تؤثر على العالم.

موافقاً لما ذكره رامستورف، أشار ليو إلى أنه من الضروري إجراء مزيد من الأبحاث لفهم التأثيرات العالمية لانهيار محتمل للنظام.

من المتوقع أن يكون هذا العام الأكثر حرارة على الإطلاق، متجاوزاً درجات الحرارة المرتفعة التي شهدناها في 2023. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، حذرت الأمم المتحدة من أن العالم في طريقه لتسجيل ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار يصل إلى 3.1 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وأكدت أن الهدف السابق للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة “سيصبح بعيد المنال قريباً” من دون تحرك فاعل غير مسبوق.

وقالت رومانو “بالنسبة لـ”آموك”، لا أعتقد أنه من المفيد تحديد إطار زمني مثل 2100 أو 2080، الأهم هو تحديد حد لدرجة الحرارة”. وأشارت إلى دراسة نشرت في مجلة “ساينس” Science عام 2022، التي حذرت من أن تجاوز 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى تفعيل عدة نقاط تحول مناخية، بما في ذلك انهيار النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي.

وأضافت “عندما نتجاوز هذا الحد، سيحدث انهيار ’آموك‘ في وقت أبكر بكثير من 2100”.

من جهته، أشار رامستورف إلى أن الاحترار العالمي حتى 3.1 درجة مئوية سيكون “كارثياً” وسيعرض النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي لخطر متزايد.

وقال عن تأثيرات المناخ “أحاول التعامل مع الأمر بشكل مهني. أحياناً أفكر في الأطباء الذين يتعاملون مع الحوادث المروعة بشكل مستمر، يجب عليهم أن يفصلوا مشاعرهم ويتبنوا موقفاً مهنياً. هذا ما أحاول فعله، لكن لدي طفلين وأشعر بقلق كبير على مستقبلهما”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية