جاءت الاجتماعات السنوية لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) هذا الأسبوع لتؤكد ما سبق من توقعات في شأن تغيير في المسار الجاري حيال الحرب في أوكرانيا مع انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي من المقرر أن يتولى مهام منصبه رسمياً في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025. 

ففي اليوم الأول للاجتماعات حاول الأمين العام لـ”الناتو” مارك روته تجنب الرد على أسئلة الصحافيين في شأن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الحلف العسكري الغربي، قائلاً إن الأولوية الآن يجب أن تكون تقوية موقف كييف في أي محادثات سلام مستقبلية مع روسيا، داعياً في هذا الصدد إلى ضرورة إرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وهي التصريحات التي رددها في مقابلة مطلع الأسبوع مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية قائلاً إن زيادة الدعم العسكري للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل أي اتفاق سلام محتمل هو أكثر أهمية من النقاش في شأن متى يمكن دعوة أوكرانيا لعضوية “الناتو”. 

مناورة الأمين العام لـ”الناتو” في حسم السؤال في شأن عضوية أوكرانيا تأتي على نقيض التأكيدات السابقة، بخاصة خلال القمة السنوية التي عقدت في واشنطن في يوليو (تموز) الماضي، عندما أصر زعماء الدول الأعضاء في الحلف البالغ عددها 32 دولة على أن أوكرانيا تسير على مسار “لا رجعة فيه” نحو العضوية، وإن كان البعض، بقيادة الولايات المتحدة، ترددوا في المضي قدماً في حين تستعر الحرب وقبل ترسيم حدود البلاد بوضوح، حيث تسيطر روسيا على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية. 

اتفاق جيد

شدد روته أكثر من مرة خلال اجتماعات الأسبوع الجاري على الحاجة إلى التركيز على الدعم العسكري لأوكرانيا، وأشار إلى أولوية تلك المسألة على الحديث عن التسوية المحتملة مع روسيا، إذ تسعى بروكسل إلى تمكين القوات الأوكرانية من تحقيق أقصى المكاسب في ساحة المعركة قبل انطلاق عملية التسوية التي يصر ترمب على بدئها سريعاً. وفي مقابلته مع “فاينانشيال تايمز” كشف روته عن أنه حذر الرئيس الأميركي المنتخب خلال لقائهما في فلوريدا نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دفع أوكرانيا إلى “اتفاق سلام سيئ” مع روسيا. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما أكثر ما يأمله زعماء “الناتو” والرئيس الأوكراني في الوقت الحالي هو أن يتوصل ترمب إلى اتفاق جيد، فيقول المسؤول السابق لدى “الناتو” ووزارة الدفاع البريطانية نيكولاس ويليامز في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصر على إنهاء الدعم الغربي لأوكرانيا بصورة كاملة، فضلاً عن السيادة الروسية على الأراضي التي تم ضمها وغزوها، و”هذه الشروط ستكون ساحقة لأوكرانيا. وإذا قبلها ترمب فستنتهي الحرب وسيذل حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا”. 

ويبدو أن ما يفعله الأوكرانيون وحلفاء “الناتو” في الوقت الحالي هو محاولة ترويض الرئيس الأميركي والتفاوض معه في شأن شروط ذلك الاتفاق وأدوات الضغط على روسيا التي من بينها “تقوية يد أوكرانيا” أولاً وفق ما جاء في تصريحات روته، لا سيما أن الولايات المتحدة هي المصدر الأكبر للمساعدات العسكرية لكييف، بما في ذلك الأسلحة والمعدات والدعم المالي، فبين فبراير (شباط) 2022 وأغسطس (أب) 2024، قدمت واشنطن مساعدات لكييف بنحو 61.1 مليار دولار، وفق معهد “كيل” للأبحاث في برلين. 

وتعهد ترمب مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية بإنهاء الصراع المستمر منذ ما يقارب ثلاث سنوات في غضون 24 ساعة من تنصيبه، إن لم يكن قبل ذلك، لكنه لم يذكر كيف سيقوم بذلك. ويقول مراقبون إن مستشاري ترمب سيحاولون إجبار موسكو وكييف على الدخول في المفاوضات بالجزرة والعصا، بما في ذلك وقف المساعدات العسكرية لكييف ما لم توافق على المحادثات، أو زيادة المساعدات إذا رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

يطرح مستشارو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب علناً ​​وفي السر مقترحات لإنهاء الحرب من شأنها أن تتنازل أوكرانيا عن أجزاء كبيرة من البلاد لروسيا في المستقبل المنظور. وتشترك المقترحات التي طرحها ثلاثة مستشارين رئيسين، بمن فيهم مبعوث ترمب الجديد إلى روسيا وأوكرانيا، وفق “رويترز”، في بعض العناصر، بما في ذلك سحب عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي من الطاولة.

الأرض مقابل السلام

ويتردد الحديث عن نموذج الأرض مقابل السلام، فعلى رغم موقفه المتشدد في مسألة أوكرانيا، صرح الأمين العام السابق لـ”الناتو” ينس ستولتنبيرغ أخيراً، إنه “إذا كان خط وقف إطلاق النار يعني أن روسيا تستمر في السيطرة على جميع الأراضي المحتلة، فهذا لا يعني أن أوكرانيا يجب أن تتخلى عن الأراضي إلى الأبد”. وقد ردد مرشح ترمب لمنصب مبعوث أوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ هذا الشعور، مما يشير إلى أن أوكرانيا تلتزم باستعادة الأراضي المحتلة من خلال الوسائل الدبلوماسية وليس العسكرية. وبدا الرئيس الأوكراني أكثر ليونة في موقفه العام في شأن اتفاق سلام محتمل، فبعد سنوات من الإصرار على أن أوكرانيا لن تتنازل عن أي أراضٍ لروسيا في أي اتفاق، أشار أخيراً إلى أن أوكرانيا ستكون على استعداد للقيام بذلك – في الوقت الحالي في الأقل – مقابل عضوية “الناتو”.

وبينما تظل عضوية “الناتو” غير مرجحة في الأقل أثناء استمرار الحرب، فإن خطاب زيلينسكي يمثل تغييراً ملحوظاً. حتى إن المسؤولين في كييف قدموا مبرراً يمكن أن يسمح لهم بالتنازل موقتاً عن الأراضي، مؤكدين أن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا لن يتم الاعتراف بها دولياً كجزء من روسيا. والأحد الماضي اعترف الرئيس الأوكراني بأن جيشه لا يستطيع تحرير بعض ما يقدر بنحو 20 في المئة من أراضيهم التي تحتلها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وقال لوكالة الأنباء اليابانية كيودو نيوز، “جيشنا يفتقر إلى القوة للقيام بذلك”.

عضوية “الناتو” أبعد من ذي قبل

ويصر زيلينسكي على أن أوكرانيا يجب أن تصبح عضواً كاملاً في حلف شمال الأطلسي على الفور لضمان أمنها، حتى لو لم تحصل المناطق التي تحتلها روسيا على الحماية الكاملة من التحالف، لكن حتى هذا الخيار ربما أصبح بعيد المنال، ووفق الصحافة الأميركية التقى أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني الأربعاء الماضي كيلوغ، اختيار ترمب كمبعوث خاص لروسيا وأوكرانيا، ومستشار الأمن القومي القادم مايك والتز. 

وفي حين أعرب كيلوغ عن دعمه لجهود إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في الإسراع بإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، قائلاً إن ذلك سيعطي ترمب نفوذاً مع موسكو في التفاوض على تسوية، لكن وفق صحيفة وول ستريت جورنال، أبدى فريق ترمب القليل من الاهتمام بعرض عضوية أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي، والتي قال زيلينسكي إنه يعدها ضمانة أمنية حيوية ضد العدوان الروسي في المستقبل. وقد يصبح إصرار كييف على عضوية “الناتو” العقبة في طريق السلام، إذ قال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا الثلاثاء الماضي إن كييف سترفض أي ضمانات أمنية بخلاف عضوية “الناتو”. وكتب سيبيا في رسالة إلى الدول الأعضاء في “الناتو”، “لن نقبل أي بدائل أو خيارات أخرى”. وعلق متخصص الشأن الأوكراني لدى مجموعة الأزمات الدولية لوسيان كيم، قائلاً إن “الأوكرانيون يعرضون موقفهم المتشدد قبل المحادثات المحتملة. قد يدركون في الواقع أن عضوية (الناتو) ليست قريبة. ولكن لماذا يجب عليهم الاعتراف بذلك قبل بدء المفاوضات؟”.

تململ أميركي

الضغوط الأميركية على زيلينسكي باتت أكثر من ذي قبل، فحتى إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن ضاقت ذرعاً بطلبات الرئيس الأوكراني. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كشفت شبكة “أن بي سي نيوز” الأميركية عن فحوى مكالمة هاتفية بين بايدن وزيلينسكي في يونيو (حزيران)، سادها التوتر والانفعال من جانب رئيس البيت الأبيض. فخلال المحادثة التي تعلقت بحزمة مساعدات عسكرية جديدة لكييف، بدأ الرئيس الأوكراني في قراءة قائمة بأنظمة الأسلحة التي لم يتلقها بعد. في تلك اللحظة، أخذ بايدن يرفع صوته ويذكر محاوره بأن الشعب الأميركي، “كان بالفعل كريماً بما فيه الكفاية”، في حين يظهر زيلينسكي “قليلاً من الامتنان”. 

والأسبوع الجاري طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أوكرانيا بتجنيد جيل شباب للانضمام إلى الجيش من أجل الفوز في الحرب، وهي تصريحات تعكس الرأي المتزايد بين المسؤولين الغربيين بأن كييف في حاجة ماسة إلى مزيد من الموارد البشرية وكذلك الأموال والذخيرة لعكس تقدم روسيا في ساحة المعركة. 

وأضاف بلينكن في مقابلة مع وكالة “رويترز” خلال اجتماعات وزراء خارجية “الناتو”، “إشراك الشباب في القتال، نعتقد، كثير منا يعتقد، أنه ضروري. في الوقت الحالي، لا يشارك الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً في القتال”. ومن المعروف أن الحلفاء الأوكرانيين تجنبوا إثارة القضية للجمهور منذ فترة طويلة، نظراً إلى الحساسية السياسية. ومع ذلك، تظهر تعليقات وزير الخارجية بلينكن أنهم يأملون الآن في أن تجعل الضغوط العامة كييف تعيد النظر في رفضها لتعبئة الشباب.

نقلاً عن : اندبندنت عربية