يتألف النسيج السوري الاجتماعي من واحد من أندر الاتحادات الدينية والعرقية في المنطقة، إذ يتشكل موزايكه من مسيحيين ومسلمين بغالبية سنية وأقليات علوية وشيعية ودرزية وإسماعيلية ومراشدة، وقوميات عربية وكردية وتركمانية وسريانية وآشورية وكلدانية وأرمنية، وفيما يلي عرض لأبرز تلك المكونات المختلفة مع أماكن وجودها والتفاصيل المرتبطة بها.

التوزع في المدن

خلال عام 2011 مع بدء الحرب على سوريا قدر عدد سكان البلاد بـ23 مليوناً، يتوزعون على النحو التالي: حلب 3.393.000، ودمشق 3.175.000، وحمص 1.113.114، وحماة 780.000، واللاذقية 660.000، ودير الزور 416.600، والحسكة 388.705، والرقة 370.000، وإدلب 147.120.

وتشير بعض الدراسات إلى وجود نحو 20 مليون نسمة من أصل سوري في دول العالم وعلى الأخص في الأميركتين وأوروبا وأستراليا.

في السابق كان يمكن الحديث عن غالبية سنية تقطن سوريا وتنتشر بصورة أساس في حلب ودمشق وحمص ودرعا والقنيطرة والرقة ودير الزور وحماة وغيرها، وفي قرى ضخمة تتخذ صورة المدن كدوما وحرستا وقرى الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والرستن وتلبيسة وقرى الحولة في ريف حمص، وقمحانة ومعردس وخطاب وكفرنبودة وحلفايا في ريف حماة، ومعظم أرياف حلب وأرياف اللاذقية الشمالية الشرقية، والصنمين ونوى وجاسم وخربة غزالة في ريف درعا.

ويرى باحثون متخصصون أن تعدادهم عشية الحرب كان يصل إلى نسبة تراوح ما بين 80 إلى 85 في المئة، مضافاً إليهم نسبة الأكراد، وهو ما ذهب إليه نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام في لقاء سابق قبل رحيله، فيما انخفضت كثيراً هذه النسبة لاحقاً بسبب الحرب الدائرة.

في حين يذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية للحريات الدينية لعام 2011 أن نسبة المسلمين السُّنة في سوريا تبلغ 77 في المئة.

السنة خلال الحرب السورية

تغيرت كثيراً الخريطة الديموغرافية والتركيبة السكانية للسوريين خلال الحرب، فأقله حتى عام 2020، لم يعد يمثل السنة سوى نصف سكان البلاد، ويعود ذلك لتهجير أكثر من 7 ملايين سوري خلال أعوام الحرب الماضية نحو المنافي البعيدة.

وبحسب الصحافي والكاتب بيير إيف بايي في مقال له بموقع “أوريان 21” فإن “قمع نظام الرئيس بشار الأسد الشديد للتظاهرات في درعا وما أسفر عنه من قتل عام 2011، كان الشرارة التي أشعلت سوريا لما يقارب تسعة أعوام، وأدت بسبب ما خلفته من انعدام الأمن إلى انسحاب طائفي تفاقم وتم استغلاله من قبل المتحاربين، كما زاد من حدته إشراك أطراف خارجية لا سيما تركيا وإيران”.

يقول الشيخ صفوان السباعي في حديث إلى “اندبندنت عربية”، “هذا النظام الذي سقط يوم الأحد عمل على تغيير بيئة وبنية المجتمع والعبث به طائفياً ودينياً واثنياً، وكان يهدف في كل لحظة إلى هذا التغيير والعبث الطائفي، وبالفعل تمكن من تجريد مكونات سوريا من محتواها التاريخي الممعن في القدم”.

ويضيف الشيخ “وعلى رغم ذلك فهو بالمناسبة لم يقدم امتيازات تذكر لطوائف أخرى سوى الفقر والجوع ووهم الأفضلية بينما كان يستخدمهم كوقود، ولكنه في النهاية نجح في ضرب المكون الأكبر في سوريا وجعله ينحدر ملايين عبر تهجيره نصف سُنة البلاد وتغييبه وقتله لملايين آخرين”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الكاتب بايي في مقال إن “الطائفية متأصلة في نظام الدولة الذي بناه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إذ أخذ طائفته العلوية عند توليه الرئاسة رهينة وربطها بسلطته وأجهزته الأمنية، وعمد النظام طوال أعوام حكمه إلى تخوين بعض فئات المجتمع”.

وشكلت الطائفة العلوية التي يراوح عددها ما بين مليونين ومليونين ونصف المليون “أي بين تسعة و11 في المئة من السكان السوريين، حضوراً قوياً في جهاز الدولة، ومن كان يطلق عليهم اسم ’الشبيحة‘”.

العلويون

تشكل الطائفة العلوية الأقلية الكبرى في سوريا، إذ لا يتخطى عددها تسعة في المئة بحسب مركز الإحصاء المركزي عام 2011، أي ما يعادل أكثر من مليونين بقليل من أصل 23 مليون نسمة من الشعب السوري في حينه، إلا أن الوضع تغير كثيراً بعد 14 عاماً من الحرب السورية.

وكان يشكل السنة غالبية مدينة حمص وسط البلاد، ولكنهم اليوم يشكلون أقل من النصف ليتقاسم معهم العلويون النصف الآخر من المدينة، وقد ترجح كفة الأخيرين أيضاً مع وجود خجول لأقليات أخرى في المدينة.

فيما يصر مكتب الإحصاء المركزي الجمهوري على أن تعداد سكان سوريا بلغ 30 مليون نسمة عام 2024، تمكنت “اندبندنت عربية” من الحصول على أرقام أكثر دقة من داخل المكتب نفسه وبالمقاطعة مع تقارير البنك الدولي وتقارير إعلامية موثوقة تفيد بأن العدد الفعلي للسوريين اليوم هو نحو 26 مليون نسمة، منهم 16 مليوناً داخلها وتسعة ملايين خارجها مع نحو مليون مغيب ومفقود، وبحسب مركز “جسور للدراسات” المعارض (مكتبه خارج سوريا) فإن مناطق المعارضة قبل سيطرتهم الأخيرة على سوريا كانت تضم نحو 4.5 مليون مواطن ومناطق الأكراد 2.6، ومناطق النظام 9.5 وربما أكثر بقليل.

وبالمحصلة نجح النظام في أن يجعل المكون العلوي يستحوذ على مساحة ديموغرافية بين 40 إلى 50 في المئة من مجمل السكان، وجاء ذلك نتاج حرب قاسية قدمت فيها مجمل الأطراف السورية أغلى ما تملك.

ويتركز وجود العلويين اليوم على محافظات الساحل في اللاذقية وطرطوس وأرياف بانياس وأرياف حماة وحمص وريفها وفي بعض أحياء وضواحي دمشق، مُشكلين كتلة متينة ومتراصة كما يجري تصويرها.

ويقول الشيخ العلوي أحمد قبلان “بعد سقوط النظام، هل رأيت فرح واحتفالات الناس بسقوطه، لا تهم كم نسبتنا وتعدادنا على الأرض وما هو حجم قوتنا، المهم كيف تم استخدامنا كوقود في محرقة استمرت عقداً ونيف”.

ويضيف “يلاحظ أي أحد أن الأسد لحظة خلعه كان من دون حاضنة شعبية إطلاقاً حتى من العلويين أنفسهم، وهذا دليل على أن الناس سئموا منه ومن سياساته واستخدامه لشباب هذه الطائفة كدرع يحميه، درع مقتول من الجوع والحاجة والقهر”.

الإسماعيليون والمراشدة

طائفتان صغيرتان نسبياً اختارتا النأي بالنفس في معظم أوقات الحرب وإن كان الإسماعيليون واجهوا بعض المعارك حتى أعوام 2016، والذين يتركز وجودهم في السلمية شرق حماه ومدينة مصياف شمال غربي حماة، ويقدر تعدادهم بنحو مليون تقريباً.

أما المراشدة فيوجدون بصورة رئيسة في الغاب وحمص المدينة غالباً، ويقدر تعدادهم بنحو نصف مليون.

الشيعة والدروز

يشكل الشيعة أقلية أخرى تقدر بعشرات الآلاف ويتموضعون في السيدة زينب داخل ريف دمشق بصورة رئيسة وحي العباسية بحمص وبلدتي نبل والزهراء في ريف حلب.

أما الدروز فيقدر تعدادهم بمليون سوري أو أقل، يتموضع منهم نحو نصف مليون في السويداء جنوب سوريا، أما البقية فيقطنون مدينة جرمانا داخل ريف دمشق وبعض ضواحي العاصمة.

المسيحيون

كان تعداد المسيحيين في سوريا عشية الحرب يناهز 10 في المئة حسب مصادر كنسية، أي أكثر من مليوني سوري، لكن مع تتالي أعوام الحرب انخفض تعدادهم بصورة ملحوظة ليشكلوا ما نسبته واحد إلى اثنين في المئة، وأيضاً وفق مصادر كنسية صار تعدادهم يقارب نصف مليون، ففي حلب وحدها انخفض عددهم من نصف مليون عام 2011 إلى 27 ألف مسيحي وضمناً الأرمن عام 2024.

نقلاً عن : اندبندنت عربية